من التصرف والتكسب فقط كما أنه لا فرق بين أم الولد والأمة الا أنها لا تباع ابدا ولا توهب أبدا ولا تعود إلى حكم الرق أبدا، وقالوا أيضا: هذا المال كان موقوفا لعتق جميعهم فكان كأنه لهم فقلنا: فاجعلوه بينهم على السواء بهذا الدليل ولا تقسموه قسمة المواريث وادخلوا فيه كل من معه في الكتابة بهذا الدليل، وبالجملة فما ندري كيف انشرحت نفس أحد لقبول هذا القول على شدة فساده مع أن أصله فاسد، ولا يجوز أن يكاتب أحد على نفسه وغيره كتابة واحدة لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وبالله تعالى التوفيق * وأما قول أبي حنيفة فخطأ ظاهر أيضا لأنهم مقرون بان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإذ هو كذلك فإنما مات عبدا وإذا مات عبدا فلا يمكن أن تقع الحرية على ميت بعد موته فظهر فساد قولهم جملة، ولا يختلفون فيمن قال لعبده: أنت حر إذا زالت الشمس من يومنا هذا فمات العبد قبل زوال الشمس بدقيقة فإنه مات عبدا ولا ترثه ورثته وماله كله لسيده * وأما من قال: ماله كله لسيده فإنما بنوا على أنه عبد ما بقي عليه درهم وهذا قول قد بينا بطلانه بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المكاتب يشرع فيه العتق بقدر ما أدى ويرث بقدر ما عتق منه فصح أن لذلك البعض حكم الحر ولباقيه حكم العبد في الميراث وفى كل شئ وبالله تعالى التوفيق * وأما حمل المكاتبة فإنه ما لم ينفخ فيه الروح فهو بعضها كما قدمنا فله حكمها وأما إذا نفخ فيه الروح فهو غيرها قال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر) وهو عند ذلك ذكر وهي أنثى أو أنثى غيرها فليس له ولا لها حكم الام قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فان قيل فهلا أجزتم عتق جميع المكاتب إذ بعضه حر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا له في مملوك عتق كله) وأوجبتم الاستسعاء بذلك الخبر قلنا: لا يحل ضرب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض ولا أن يترك حكمه بحكم له آخر بل كل أحكامه فرض اتباعها وكل كلامه حق مسموع له ومطاع وهو عليه السلام أمر بعتق من أعتق بعضه اما على معتق بعضه إن كان له مال وأما بالاستسعاء وهو عليه السلام خص المكاتب بحكم آخر وهو عتق بعضه وبقاء بعضه رقيقا فقبلنا (1) كل ما أمرنا به ولم نعارض بعضه ببعض ولله تعالى الحمد، ومن تعاطى تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم. الدين فهو أحمق وكلا هذين الحكمين قد صح فيهما اختلاف من سلف وخلف وكلاهما نقل الآحاد الثقات فليس بعضها أولى بالقبول من بعض وبالله تعالى التوفيق *
(٢٤٠)