قال أبو محمد: وكان مالك. والشافعي لا يردان ما أعطيا ولا يسألان أحدا شيئا، فان احتج المخالف بحديث الصعب بن جثامة (إذ أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال: انا لم نرده عليك الا أنا حرم) وبما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أبي عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن لا أقبل هبة الا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) * ومن طريق أبى داود نا محمد ابن عمرو الرازي نا سملة بن الفضل نا محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيم الله لا أقبل بعد يومى هذا من أحد هدية الا أن يكون من مهاجري قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) * وبما رويناه من طريق البخاري نا محمد بن يوسف نا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب. وعروة ابن الزبير أن حكيم بم حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم ان هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى) قال حكيم: (فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أحدا شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم أن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر: يا معشر المسلمين انى أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحد من الناس شيئا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى) * وبما روينا من طريق أبي ذر أنه قال للأحنف بن قيس وقد سأله الأحنف عن العطاء؟ فقال له أبو ذر: خذه فان فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فلا تأخذه، فكان هذا لا حجة لهم فيه أما حديث لقد هممت أن لا أقبل هبة فان سعيد بن أبي سعيد لا يخلو اما أن يكون (1) سمعه من أبي هريرة أو لم يسمعه فإن كان لم يسمعه فهو منقطع وإن كان سمعه فإنما فيه انه عليه السلام هم بذلك لا انه أنفذه (2) وهو موافق لمعهود الأصل لان الأصل كان أن المعطى مخير (3) ان شاء قبل وان شاء رد * وحديث عمر رضي الله عنه وارد بابطال الحال الأول ولا شك في ذلك حين أمره عليه الصلاة والسلام بقبول ما جاء من المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فصح أن هذا الهم قد صح نسخه بيقين لا مرية فيه فمن ادعى أن الموقن نسخه قد عاد ونسخ الناسخ فقد ادعى الباطل وما لا علم له به وحاش لله من جواز ذلك في الدين إذ لو كان ذلك لما علمنا صحيح الدين من سقيمه فيه (4) ولا ما يلزمنا مما لا يلزمنا ومعاذ الله من هذا فبطل
(١٥٥)