ثم لا يخلو من أن يكون (1) يعرف صاحبه الذي أخذ منه بغير حق أو لا يعرقه فإن كان يعرقه فهنا زاد فسقه وتضاعف ظلمه وأتى كبيرة من الكبائر وصار أظلم من ذلك الظالم لأنه قدر على رد المظلمة إلى صاحبها وعلى ازالتها عن الظالم فلم يفعل بل أعان الظالم وأيده وقواه وأعان على المظلوم وإن كان لا يعرف صاحبه فكل مال لا يعرف (2) صاحبه فهو في مصالح المسلمين فالقول في هذا القسم كالقول في الذي قبله سواء سواء إذ منع المساكين والفقراء والضعفاء حقهم وأعان على هلاكهم وقوى الظالم لما لا يحل له وهذا عظيم جدا نعود بالله منه، فإن كان يوقن انه حلال فان الذي أعطاه مكتسب بذلك حسنات جمة بلا شك فهو في رده عليه ما أعطاه غير ناصح له إذ منعه الحسنات الكثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) فمن لم ينصح لأخيه المسلم في دينه فقد عصى الله عز وجل في ذلك ولعله ان رده لا يحضر المردود عليه بنية أخرى في بذله فيكون قد حرمه الاجر وصد عن سبيل من سبل الخير وإن كان لا يدرى أحلال هو أم حرام؟ فهذه صفة كل ما يتعامل به الناس الا في اليسير الذي يوقن فيه انه حلال أو انه حرام فلو حرم أخذ هذا لحرمت المعاملات كلها الا النادر القليل جدا وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقات ومعاملات فاسدة غير مشهورة فما حرم عليه الصلاة والسلام قط من أجل ذلك أخذ ما يتعامل به الناس الا أن قوما من أهل الورع اتقوا ما الأغلب عندهم انه حرام فما كان من هذا القسم فهو داخل في باب وجوب النصيحة بأخذه فان طابت نفسه عليه فحسن وان اتقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال فهذا برهان ظاهر لائح * وبرهان آخر وهو ان من الجهل المفرط والعمل في الدين بغير علم أن يكون المرء يستسهل بلا مؤنة أخذ مال زيد في بيع يبيعه منه أو في إجارة يؤجر نفسه في عمل يعمله له ثم يتجنب أخذ مال ذلك الزيد نفسه إذا أعطاه إياه طيب النفس به فهذا عجب عجيب لا مدخل له في الورع أصلا لأنه إن كان يتقى كون ذلك المال خبيثا فقد أخذ في البيع والإجارة فهذا يكاد يكون رياء مشوبا بجهل، فان قيل: يكره المرء أخذه قيل: هذا خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عن سنته نعوذ بالله من هذا كما رويناه من طريق البخاري نا محمد بن بشار نا محمد ابن أبي عدى عن شعبة عن سليمان هو الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو اهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) ومن رغب عن سنته فما وفق لخير صح انه على الصلاة والسلام قال: (من رغب عن سنتي فليس منى) *
(١٥٤)