لا دليل على مقدار معين والأصل براءة الذمة وما يفسر به مقطوع عليه فوجب الرجوع إليه، ويحتمل أن يكون أراد به عظيم عند الله تعالى من جهة وأنه نفيس جليل عند الضرورة إليه وإن كان قليل المقدار، وإذا احتمل ذلك وجب أن يرجع إليه في تفسيره لأن الأصل براءة الذمة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولأنه يقتضي ألا يؤخذ منه أكثر ما يفسر به.
وإذا قال: له علي مال كثير، كان إقرارا بثمانين بدليل إجماع الطائفة، وروي في تفسير قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، أنها كانت ثمانين موطنا.
وإذا قال علي ألف ودرهم، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه لأنها مبهمة والأصل براءة الذمة، وقوله " ودرهم " زيادة معطوفة على الألف وليست بتفسير لها لأن المفسر لا يكون بواو العطف. وكذا الحكم لو قال: ألف ودرهمان، فأما إذا قال: وثلاثة دراهم أو ألف وخمسون درهما أو خمسون ألف درهم أو ما أشبه ذلك، فالظاهر أن الكل دراهم لأن ما بعده تفسير.
وإذا قال: له علي عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة فإن قال: إلا درهم، بالرفع كان إقرارا بعشرة لأن المعنى غير درهم، وإن قال: ماله علي عشرة إلا درهما، لم يكن مقرا بشئ لأن المعنى ماله علي، تسعة ولو قال: ماله علي عشرة إلا درهم، كان إقرارا بدرهم لأن رفعه بالبدل من العشرة فكأنه قال: ماله علي إلا درهم، فإذا قال: له علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهما، كان إقرارا بثمانية لأن المراد إلا ثلاثة لا يجب إلا درهما من الثلاثة يجب لأن الاستثناء من الإيجاب نفي ومن النفي إيجاب واستثناء الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط ولا يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم لسقوط الفائدة على ما بيناه في أصول الفقه، وإذا كان الاستثناء الثاني معطوفا على الأول كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى فلو قال: علي عشرة إلا ثلاثة وإلا درهما، كان إقرارا بستة، وإذا استثنى بما لا يبقى معه من المستثنى منه شئ كان باطلا لأنه يكون بمنزلة الرجوع عن الإقرار فلا يقبل، وإن استثنى مجهول القيمة: كقوله علي عشرة إلا ثوبا، فإن فسر قيمته بما يبقى معه من العشرة شئ وإلا كان باطلا.
ويجوز استثناء الأكثر من الأقل بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي وابن حنبل ويدل على صحته قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين