فلا يخلو كل واحد منهما أن يجمعهما مقام واحد أعلى أو أدنى أو متوسط أو لا يجمعهما فإن جمعهما مقام واحد فلا يخلو إما أن يكون ذلك المقام مما يقتضي التنزيه أو التشبيه أو المجموع وعلى كل حال فحكم التجلي من حيث الظهور واحد ومن حيث ما يجده المتجلي له مختلف الذوق لاختلافهما في أعيانهما لأن هذا ما هو هذا لا في الصورة الطبيعية ولا الروحانية ولا في المكانية وإن كان هذا مثل لهذا ولكن هذا ما هو هذا فغايتهما إما أن يتحقق كل واحد منهما بمعرفته بنفسه ونفس هذا غير هذا فيحصل من العلم لهذا ما لم يحصل لهذا فنعلم أنهما وإن اجتمعا في عين الفرق أو يتحقق الواحد بمعرفته بنفسه ويفنى الآخر عن مشاهدة ذاته فيختلفان في عين الجمع أو يعطي الواحد ما يعطي المراد ويعطي الآخر ما يعطي المريد فعلى كل وجه هما مختلفان في الوجود متفقان في الحال والشهود فإن اقتضى المقام التنزيه لكل واحد منهما فغاية تنزيه كل واحد منهما أن ينزهه عن صورة ما هو عليها في نفسه فهما مختلفان بلا شك وإن كانا مثلين وإن اقتضى ذلك المقام التشبيه فالحال مثل الحال وكذلك إن اقتضى المجموع فإن المجموع إنما هو جميع طرفين في حضرة وسطي فالحال الحال فلا يجتمعان أبدا في الوجود وإن اجتمعا في الشهود وإن لم يجمعهما مقام واحد وكان كل واحد في مقام ليس للآخر وظاهر بصورة ما هي لصاحبه وإن اجتمعا في الصورة إلا أنهما أعطيا من القوة بحيث أن يشهد كل واحد منهما حضور صاحبه في بساط ذلك المشهود لكون المشهود تجلى في صورة مثالية وهذا التجلي والشهود هو الذي يجمع فيه صاحبه بين الخطاب والشهود إن شاء المشهود وأما في غير هذه الحضرة فلا يجتمع شهود وخطاب ولا رؤية غير وحكمهما إذا كانا بهذه المثابة حكم من جمعهما مقام واحد في معرفته بنفسه أو فناء أحدهما أو يقام أحدهما مرادا والآخر مريدا فيخبر المريد عن قهر وشدة ويخبر المراد عن لين وعطف وما ثم إلا هذا ولا يخبر واحد منهما عما حصل لصاحبه فإن الإلقاء لكل واحد منهما إنما يكون بالمناسب الذي يقتضيه المزاج الخاص به الذي كان سبب اختلاف صور أرواحهما في أصل النشأة فإذا رجع إلى أصحابه من هذه حاله يقول وإن كان أحدهما في المغرب والآخر في المشرق لأصحابه في هذه الساعة أشهد فلان وعاينته وعرفت صورته ومن حليته كذا وكذا فيصفه بما هو عليه من الصفات فمن لا علم له بالحقائق منهما فإنه يقول وأعطاه الحق مثل ما أعطاني والأمر ليس كذلك فإن كل واحد منهما لم يحصل له إسماع ما للآخر وذلك لافتراقهما في المناسب كما قدمنا وإن كان من أهل الحقائق والمعرفة التامة ويقال له فما حصل له فيقول لا أدري فإني لا أعرف إلا ما تقتضيه صورتي وما أنا هو فإن الحق لا يكرر صورة (وصل) ولما كان هذا الباب يضم كل ذي نفس حقا وخلقا احتجنا أن نبين فيه ما نفس الرحمن به عن نفسه لما وصف نفسه بأنه أحب أن يعرف ومعلوم أن كل شئ لا يعلم شيئا إلا من نفسه وهو يحب أن يعرفه غيره ولا يعرفه ذلك الغير إلا من نفسه فإن لم يكن العارف على صورة المعروف فإنه لا يعرفه فلا يحصل المقصود الذي له قصد الوجود فلا بد من خلقه على الصورة لا بد من ذلك وهو تعالى الجامع للضدين بل هو عين الضدين فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فخلق الإنسان الكامل على هذه المنزلة فالإنسان عين الضدين أيضا لأنه عين نفسه في نسبته إلى النقيضين فهو الأول بجسده والآخر بروحه والظاهر بصورته والباطن بموجب أحكامه والعين واحدة فإنه عين زيد وهو عين الضدين فزيد هو عين الأخلاط الأربعة المتضادة والمختلفة ليس غيره وذو الروح النفسي والمركب الطبيعي وهنا قال الخراز عرفت الله بجمعه بين الضدين فقال صاحبنا تاج الدين الأخلاطي حين سمع هذا منا لا بل هو عين الضدين وقال الصحيح فإن قول الخراز يوهم أن ثم عينا ليست هي عين الضدين لكنها تقبل الضدين معا والأمر في نفسه ليس كذلك بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة فالظاهر عين الباطن والأول والآخر والأول عين الآخر والظاهر والباطن فما ثم إلا هذا فقد عرفتك بالنشأة الإنسانية أنها على الصورة الإلهية وسيرد الكلام في خلق الإنسان من حيث مجموعه الذي به كان إنسانا في الباب الحادي والستين وثلاثمائة في فصل المنازل في منزل الاشتراك مع الحق في التقدير (وصل) الأقسام الإلهية من نفس الرحمن الواردة في القرآن والسنة فإن بها نفس الله عن المقسوم له ما كان يجده من الحرج والضيق الذي يعطيه في الموجودات قوله فعال لما يريد وإرادته
(٤٧٦)