فيها هذه الصور كما لا يتغير الجوهر عن جوهريته بما يظهر عليه من الأحوال والأعراض فإن ذلك الظاهر حكم المعنى المبطون الذي لا وجود له إلا بالحكم في عين الناظر فأحكامه لا موجودة ولا معدومة وإن كانت ثابتة فيعتمد على العالم بأنه علامة لا على الله فإن الله غني عن العالمين وإنما هو علامة على ثبوت المعاني التي لها هذه الأحكام الظاهرة في عين حق فالعالم علامة على نفسه وهكذا كل شئ فلا شئ أدل من الشئ على نفسه فإنها دلالة لا تزول والدلالات الغريبة تزول ولا تتبعت فمن اعتمد على العالم من هذا الوجه فقد اعتمد على أمر صحيح لا يتبدل ولا يكون الاعتماد على الحقيقة إلا عليه على هذا الوجه فإن الحق إذا كان كل يوم في شأن فلا يدرى ما يكون ذلك الشأن فلا يقدر على الاعتماد على من لا يعلم ما في نفسه فالكامل من أهل الله من يتنوع لتنوع الشؤون فإن الحق ما يظهر في الوجود إلا بصور الشؤون فيكون اعتماد هذا الشخص اعتمادا إلهيا أي هو متصف في ذلك بنعت الحق في قبوله الشؤون التي تظهر للعالم بها وهذا من العلم المضنون به على غير أهله فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الفصل السابع والأربعون) في الاعتماد على الوعد قبل كونه وهو الاعتماد على المعدوم لصدق الوعد اعلم أن هذا الباب ما نفس الله به عن عباده وهو نفس الرحمن فإن الخبر الصدق إذا لم يكن حكما لا يدخله نسخ وقد ورد بطريق الخبر الوعد والوعيد فجاء نفس الرحمن بثبوت الوعد ونفوذه والتوقف في نفوذ الوعيد في حق شخص شخص وذلك لكون الشريعة نزلت بلسان قوم الرسول صلى الله عليه وسلم فخاطبهم بحسب ما تواطئوا عليه فمما تواطئوا عليه في حق المنعوت بالكرم والكمال إنفاذ الوعد وإزالة حكم الوعيد فقال أهل اللسان في ذلك على طريق المدح وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وقد ورد في الصحيح ليس شئ أحب إلى الله من أن يمدح والمدح بالتجاوز عن المسئ غاية المدح فالله أولى به تعالى والصدق في الوعد مما يتمدح به قال تعالى ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله فذكر الوعد وأخبر عن الإيعاد في تمام الآية بقوله إن الله عزيز ذو انتقام وقال في الوعيد بالمشيئة وفي الوعد بنفوذه ولا بد ولم يعلقه بالمشيئة في حق المحسن لكن في حق المسئ علق المشيئة بالمغفرة والعذاب فيعتمد على وعد الله فلا ظهور له إلا بوجود ما وعد به وهو بعد ما وجد والاعتماد عليه لا بد منه لما يعطيه التواطؤ في اللسان وصدق الخبر الإلهي بالدليل والله عند ظن عبده به فليظن به خيرا والظن هنا ينبغي أن يخرج مخرج العلم كما ظهر ذلك في قوله عن الثلاثة الذين خلفوا وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه أي علموا وتيقنوا وقال أهل اللسان في ذلك فقلت لهم ظنوا بالغي مدجج أي تيقنوا واعلموا فإن الظن لما كانت مرتبته برزخية لها وجه إلى العلم وإلى نقيضه ثم دلت قرائن الأحوال على وجه العلم فيه حكمنا عليه بحكم العلم وأنزلناه منزلة اليقين مع بقاء اسم الظن عليه لا حكمه فإن الظن لا يكون إلا بنوع من ترجيح يتميز به عن الشك فإن الشك لا ترجيح فيه والظن فيه نوع من الترجيح إلى جانب العلم وكذا قال أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فأبان أن في الظن ترجيحا ولا بد إما إلى جانب الخير وإما إلى جانب الشر والله عند ظن عبده به ولكن ما وقف هنا لأن رحمته سبقت غضبه فقال معلما فليظن بي خيرا على جهة الأمر فمن لم يظن به خيرا فقد عصى أمر الله وجهل ما يقتضيه الكرم الإلهي فإنه لو وقع التساوي من غير ترجيح كالشك لكان من أهل من يقول إن عدله لا يؤثر في فضله ولا فضله في عدله فلما كان الظن يدخله الترجيح أمرنا الحق أن نرجح به جانب الخير في حقنا ليكون عند ظننا به فإنه رحيم فمن أساء الظن بأمر فإن العائد عليه سوء ظنه لا غير ذلك والله يجعلنا من أهل العلم وإن قضى علينا بالظن فنظن الخير بالله وقد فعل بحمد الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الفصل الثامن والأربعون) في الاعتماد على الكنايات وما يظهر منها من الفتوح وهي المعبر عنها بالإنية في الطريق وكيف يعتل الصحيح ويصح المعتل اعلم أيدك الله أن كل ما سوى الله فإنه معتل بالذات صحيح بالعرض فإن الصحة تعرض للمحدث إذا أحبه الله حب سبب كحبه لأصحاب التقرب بالنوافل فيكون الحق سمعهم وبصرهم فيزول عنه المرض والاعتلال ويصح فينفذ بصره في كل مبصر وسمعه في كل مسموع وأما الصحيح بالذات المعتل بالعرض فهو
(٤٧٤)