لا يزال ماثلا بين يديه فإذا أمره رأى هذا المحب أنه قد أمتن عليه حيث استعمله وأمره وإن هذا من عنايته به وإن فقد رؤيته ومشاهدته فيما شغله به فهو في نعيم ولذة بكونه يتصرف في مراسيم سيده وعن إذنه فإن كان المحب الله فأمر المحبوب له دعاؤه ورغبته فيما يعن له ويحبه ثم إنه يكره أشياء فيدعوه بصفة النهي مثل قوله لا تزع قلوبنا ولا تحمل علينا إصرا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به فهذا سؤال بصفة نهي فقد وقع منه الأمر والنهي لسيده وإجابة الحق هذا العبد من حيث هو محب لهذا العبد كالطاعة من العبد لأوامر سيده ومجانبة مخالفته (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه خارج عن نفسه بالكلية اعلم أن نفس الشخص الذي يتميز به عن كثير من المخلوقات إنما هو إرادته فإذا ترك إرادته لما يريد به محبوبه فقد خرج عن نفسه بالكلية فلا تصرف له فإذا أراد به محبوبه أمرا ما وعلم هذا المحب ما يريده محبوبه منه أو به سارع أو تهيأ لقبول ذلك ورأى أن ذلك التهيؤ والمسارعة من سلطنة الحب الذي تحكم فيه فلم ير المحبوب في محبه من ينازعه فيما يريده به أو منه لأنه خرج له عن نفسه بالكلية فلا إرادة له معه ولكن مع وجود نفسه وطلبه الاتصال به وإن لم يكن كذلك فهو في مرتبة الجماد الذي لا إرادة له فما له لذة إلا اللذة التي متعلقها التذاذ محبوبه بما يراه منه في قبوله المحب الله 7 أوحى الله إلى موسى يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك يعني الدنيا والآخرة لأنه العين المقصودة وهو رأس الأحباء محمد ص فالكل في تسخير هذه النشأة الإنسانية الأفلاك وما تحتوي عليه والكواكب وما في سيرها هذا في الدنيا وأما في الآخرة فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر حتى نهاية الأمر وهو التجلي الإلهي يوم الزور الأعظم فهذا معنى خروج المحب عن نفسه بالكلية في كل ما يمكن أن يحتاج إليه المحبوب وما لا حاجة للمحبوب به ولا يعود عليه منه لذة وابتهاج فلا يدخل تحت هذا الباب (منصة ومجلى) نعت المحب لا يطلب الدية في قتله لأنا قد وصفناه أولا بأنه مقتول قتل المحب شهادة فقتله حياته والحي لا دية فيه إنما يودى القتيل الذي يموت فله شرعت الدية المحب الله كون العبد محبوبا إرادته نافذة لا إرادة للمحب تنازع إرادته المقتول لا إرادة له ومن كان بإرادة محبوبه فلا إرادة له وإن كان مريدا ولا دية له لأن الحي لا دية فيه والحياة الذاتية له وهو حب الفرائض إذا أداها أحبه الله ففي النوافل يكون سمع العبد وبصره وفي الفرائض يكون العبد سمع الحق وبصره ولهذا ثبت العالم فإن الله لا ينظر إلى العالم إلا ببصر هذا العبد فلا يذهب العالم للمناسبة فلو نظر إلى العالم ببصره لاحترق العالم بسبحات وجهه فنظر الحق العالم ببصر الكامل المخلوق على الصورة هو عين الحجاب الذي بين العالم وبين السبحات المحرقة (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه يصبر على الضراء التي ينفر منها الطبع لما كلفه محبوبه من تدبيره الإنسان مجموع الطبع والنور فالطبع يطلبه والنور يطلبه وكلف النور أن يغتبن ويترك كثيرا مما ينبغي له وتطلبه حقيقته لما يطلبه الطبع من المصالح وأمر النور الذي هو الروح أن يوفيه حقه وهو قوله ص لمن قال له من أبر قال أمك ثلاث مرات ثم قال له في الرابعة ثم أباك فرجح بر الأم على بر الأب والطبيعة الأم وهو قوله ص إن لنفسك عليك حقا وهي النفس الحيوانية ولعينك عليك حقا فهذا كله من حقوق الأم التي هي طبيعة الإنسان وأبوه هو الروح الإلهي وهو النور فإذا ترك أمورا كثيرة من محابه من حيث نوريته فإنه يتصف بأنه مضرور وهو مأمور بالصبر فهذا معنى يصبر على الضراء وإن كانت حقيقته تنفر من ذلك ولكن أمر الله أوجب ثم قال له في صبره واصبر وما صبرك إلا بالله فإن الله تسمى بالاسم الصبور فكأنه قال له أنا على عزة جلالي قد وصفت نفسي بأني أؤذى وإني أحلم وأصبر وتسميت بالصبور وأنا غير مأمور ولا محجور علي فأدخلت نفسي تحت محاب خلقي وتركت ما ينبغي لي لما ينبغي لخلقي إيثار الهم ورحمة مني بهم فأنت أحق بأن تصبر على الضراء بي أي بسبب أمري وبسبب كوني صبورا على أذى خلقي حين وصفوني بما لا يقتضيه جلالي وهذا من كون الله محبا في هذا المجلى وأما كونه كذلك لما كلفه محبوبه من تدبير نشأته الطبيعية فإذا كان المحبوب الخلق والمحب الحق فصورة التكليف ما يطلبه العبد من سيده إذا عرف أنه محبوب لسيده من تدبير مصالحه بشرط الموافقة لأغراضه ومحابه فيفعل الحق معه ذلك فهذا ذلك المعنى الذي نعت به المحب (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه هائم القلب لما كان القلب سمي بذلك لكثرة تصرفاته وتقليبه كثرت وجوهه وتوجهاته وهذه صفة
(٣٥٤)