جهلت مقادير الشيوخ أهل المشاهد والرسوخ واستنزلت ألفاظهم جهلا وكان لها الشموخ الشيوخ نواب الحق في العالم كالرسل ع في زمانهم بل هم الورثة الذين ورثوا علم الشرائع عن الأنبياء ع غير أنهم لا يشرعون فلهم رضي الله عنهم حفظ الشريعة في العموم ما لهم التشريع ولهم حفظ القلوب ومراعاة الآداب في الخصوص هم من العلماء بالله بمنزلة الطبيب من العالم بعلم الطبيعة فالطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بما هي مدبرة للبدن الإنساني خاصة والعالم بعلم الطبيعة يعرفها مطلقا وإن لم يكن طبيبا وقد يجمع الشيخ بين الأمرين ولكن حظ الشيخوخة من العلم بالله أن يعرف من الناس موارد حركاتهم ومصادرها والعلم بالخواطر مذمومها ومحمودها وموضع اللبس الداخل فيها من ظهور الخاطر المذموم في صورة المحمود ويعرف الأنفاس والنظرة ويعرف ما لهما وما يحويان عليه من الخير الذي يرضى الله ومن الشر الذي يسخط الله ويعرف العلل والأدوية ويعرف الأزمنة والسن والأمكنة والأغذية وما يصلح المزاج وما يفسده والفرق بين الكشف الحقيقي والكشف الخيالي ويعلم التجلي الإلهي ويعلم التربية وانتقال المريد من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة ويعلم متى يترك التحكم في طبيعة المريد ويتحكم في عقله ومتى يصدق المريد خواطره ويعلم ما للنفس من الأحكام وما للشيطان من الأحكام وما تحت قدرة الشيطان ويعلم الحجب التي تعصم الإنسان من إلقاء الشياطين في قلبه ويعلم ما تكنه نفس المريد مما لا يشعر به المريد ويفرق للمريد إذا فتح عليه في باطنه بين الفتح الروحاني وبين الفتح الإلهي ويعلم بالشم أهل الطريق الذين يصلحون له من الذين لا يصلحون ويعلم التحلية التي يحلي بها نفوس المريدين الذين هم عرائس الحق وهم له كالماشطة للعروس تزينها فهم أدباء الله عالمون بآداب الحضرة وما تستحقه من الحرمة والجامع لمقام الشيخوخة إن الشيخ عبارة عمن جمع جميع ما يحتاج إليه المريد السالك في حال تربيته وسلوكه وكشفه إلى أن ينتهي إلى الأهلية للشيخوخة وجميع ما يحتاج إليه المريد إذا مرض خاطره وقلبه بشبهة وقعت له لا يعرف صحتها من سقمها كما وقع لسهل في سجود القلب وكما وقع لشيخنا حين قيل له أنت عيسى بن مريم فيداويه الشيخ بما ينبغي وكذلك إذا ابتلي من يخرج ليسمع من الحق من خارج لا من نفسه بمحرم يؤمر بفعله أو ينهى عن واجب فيكون الشيخ عارفا بتخليصه من ذلك حتى لا يجري عليه لسان ذنب مع صحة المقام الذي هو فيه فهم أطباء دين الله فمهما نقصهم شئ مما يحتاجون إليه في التربية فلا يحل له أن يقعد على منصة الشيخوخة فإنه يفسد أكثر مما يصلح ويفتن كالمتطبب يعل الصحيح ويقتل المريض فإذا انتهى إلى هذا الحد فهو شيخ في طريق الله يجب على كل مريد حرمته والقيام بخدمته والوقوف عند مراسمه لا يكتم عنه شيئا مما يعلم أن الله يعلمه منه يخدمه ما دامت له حرمة عنده فإن سقطت حرمته من قلبه فلا يقعد عنده ساعة واحدة فإنه لا ينتفع به ويتضرر فإن الصحبة إنما تقع المنفعة فيها بالحرمة فمتى ما رجعت الحرمة له في قلبه حينئذ يخدمه وينتفع به فإن الشيوخ على حالين شيوخ عارفون بالكتاب والسنة قائلون بها في ظواهرهم متحققون بها في سرائرهم يراعون حدود الله ويوفون بعهد الله قائمون بمراسم الشريعة لا يتأولون في الورع آخذون بالاحتياط مجانبون لأهل التخليط مشفقون على الأمة لا يمقتون أحدا من العصاة يحبون ما أحب الله ويبغضون ما أبغض الله ببغض الله لا تأخذهم في الله لومة لائم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر المجمع عليه يسارعون في الخيرات ويعفون عن الناس يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويميطون الأذى عن طريق الله وطريق الناس يدعون في الخير بالأوجب فالأوجب يؤدون الحقوق إلى أهلها يبرون إخوانهم بل الناس أجمعهم لا يقتصرون بالجود على معارفهم جودهم مطلق الكبير لهم أب والمثل لهم أخ وكفؤ والصغير لهم ابن وجميع الخلق لهم عائلة يتفقدون حوائجهم إن أطاعوا رأوا الحق موفقهم في طاعتهم إياه وإن عصوا سارعوا بالتوبة والحياء من الله ولاموا نفوسهم على ما صدر منهم ولا يهربون في معاصيهم إلى القضاء والقدر فإنه سوء أدب مع الله هينون لينون ذوو مقة رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا في نظرهم رحمة لعباد الله كأنهم يبكون الهم عليهم أغلب من الفرح لما يعطيه موطن
(٣٦٥)