حبل الوريد وهو عرق بدني فلو مشى بكله لكان ناقص الحال والثاني عقولهم سماوية لأن العقول صفات تقييد فإن العقل يقيد إذ كان من العقال والسماوات محال الملائكة المقيدة بمقاماتها فقالت وما منا إلا له مقام معلوم فلا تتعداه قد حبسه فيه من أوجده له ولهذا فسره بأن قال تسرح بين صفوف الملائكة فهم بعقولهم في السماوات وما في الكون المركب الا سماء وأرض والثالث أرواحهم حجبية لأنه لما سوى سبحانه الصورة البدنية احتجب بل حجبها عن ظهوره في عينها ونفخت فيه من روحي فظهرت أرواحهم عن هذا الروح الحجابي فهم مشاهدون أصلهم عالمون بأنه حجاب ليعلموا من هو الظاهر في أعيانهم ومن المسمى فلانا ولم سمي وهنا أسرار دقيقة وحكايات المحبين العارفين كثيرة انتهى الجزء الرابع عشر ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل) نختم به هذا الباب يسمى عندنا مجالي الحق للعارفين المحبين في منصات الأعراس لإعطاء نعوت المحبين في المحبة فمن ذلك منصة ومجلى نعت المحب بأنه مقتول وذلك لأنه مركب من طبيعة وروح والروح نور والطبيعة ظلمة * وكلاهما في عينه ضدان والضدان متنافران والمتنافران متنازعان كل واحد يطلب الحكم له وأن يرجع الملك إليه والمحب لا يخلو إما أن تغلب الطبيعة عليه فيكون مظلم الهيكل فيحب الحق في الخلق فيدرج النور في الظلمة اعتمادا على الأصل في قوله وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والنهار نور فعلم أنهما متجاوران وإن كانا ضدين وأن أحدهما يجوز أن يكون مبطونا في الآخر فما يضرني أن أحب الحق في الخلق لا جمع بين الأمرين وإما إن غلب عليه الروح فيكون منور الهيكل فيحب الخلق في الحق لقوله حبوا الله لما يغذوكم به من نعمه فأحبته في النعم عن أمره فمشهوده الحق ومهما وقعت الغيرة بين الضدين ورأى كل ضدان مطلوبه ربما يتخلص لضده يقول أقتله حتى لا يظهر به ضدي دوني فإن قتلته الطبيعة مات وهو محب للأكوان وإن قتله الروح كان شهيدا حيا عند ربه يرزق فهو مقتول بكل حال كل محب في العالم وإن كان لا يشعر بذلك منصة ومجلى نعت المحب بأنه تألف وذلك أنه خلقه الله من اسمه الظاهر والباطن فجعله عالم غيب وشهادة وخلق له عقلا يفرق به بين حكم الإسمين لإقامة الوزن بين العالمين في ذاته ثم تجلى له في اسمه ليس كمثله شئ فحيره فلم يعطه هذا التجلي إقامة الوزن ولا سيما وقد قال له وهو السميع البصير فتلف من حيث لم ير حالا توجب العدل وإقامة الوزن فخرج عن حد التكليف إذ لا يكلف إلا عاقل لما تقيد بعقله فهذا نعت المحب بأنه تألف منصة ومجلى نعته بأنه سائر إليه بأسمائه وذلك أنه تجلى له في أسماء الكون وتجلى له في أسمائه الحسنى فتخيل في تجليه بأسماء الكون أنه نزول من الحق في حقه ولم يك ذلك من أفقه فلما نخلق بأسمائه الحسنى غلبه ما جرت عليه طريقة أهل الله من التخلق وهو يتخيل أن أسماء الكون خلقت له لا لله وأن منزلة الحق فيها بمنزلة العبد في أسمائه الحسنى فقال لا أدخل عليه إلا بأسمائي وإذا خرجت إلى خلقه أخرج إليهم بأسمائه الحسنى تخلقا فلما دخل عليه بما يظن أنها أسماؤه وهي أسماء الكون عنده رأى ما رأته الأنبياء من الآيات في إسرائها ومعارجها في الآفاق وفي أنفسهم فرأى إن الكل أسماؤه تعالى وأن العبد لا اسم له حتى إن اسم العبد ليس له وإنه متخلق به كسائر الأسماء الحسنى فعلم إن السير إليه والدخول عليه والحضور عنده ليس إلا بأسمائه وأن أسماء الكون أسماؤه فاستدرك الغلط بعد ما فرط ما فرط فجبر له هذا الشهود ما فاته حين فرق بين العابد والمعبود وهذا مجلي عزيز في منصة عظمى كانت غاية أبي يزيد البسطامي دونها فإن غايته ما قاله عن نفسه تقرب إلي بما ليس لي فهذا كان حظه من ربه ورآه غاية وكذلك هو فإنه غايته لا الغاية وهذه طريقة أخرى ما رأيتها لأحد من الأولياء ذوقا إلا للأنبياء والرسل خاصة من هذا المجلى وصفوه سبحانه بما يسمى في علم الرسوم صفات التشبيه فيتخيلون إن الحق وصف نفسه بصفات الخلق فتأولوا ذلك وهذا المشهد يعطي أن كل اسم للكون فأصله للحق حقيقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق فافهم منصة ومجلى
(٣٥٠)