وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقوله مما جعلكم مستخلفين فيه فهذا في غاية البيان من كتاب الله محو في إثبات فالمحب ما له تصرف إلا فيما يصرف فيه قد حبره حبه الآن يريد سوى ما يريده به والحقيقة في نفس الأمر تأبى إلا ذلك وكل ما يجري منه فهو خلق لله وهو مفعول به لا فاعل فهو محل جريان الأمور عليه فهو محو في إثبات المحب الله محو في إثبات لا تقع العين إلا على فعل العبد فهذا محو الحق ولا يعطي الدليل العقلي والكشف إلا وجود الحق لا وجود العبد ولا الكون فهذا إثبات الحق فهو محو في عالم الشهادة إثبات في حضرة الشهود (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه قد وطأ نفسه لما يريده به محبوبه وذلك أن الحب لما حال بينه وبين رؤية الأسباب ولم يبق له نظر إلا إلى جناب محبوبه تعالى جهل ما يحتاج العالم إليه فيه ولا بد له في نفس الأمر أن يؤدي إليه ما يطلبه به من حقوقه كما قال ص ولزورك عليك حق فأتى بما يدخل فيه جميع العالم وهو الزيارة وهذا من جوامع كلمه فوطأ هذا المحب نفسه لما يريده به محبوبه فعلم ما للعالم من الحقوق عليه من جهة ما أراده به محبوبه من تصريفه فيما صرفه والحق حكيم فلا يحركه إلا في العمل الخاص وأداء الحق الخاص فيما يطلبه به من كان من العالم في ذلك الوقت فيعرف العالم من الله فيربح شهود الحق وهو قول الصديق ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فشاهد عين العالم في شهود الله المحب الله لما كان في نفس الأمر أن الحق سبحانه لا تقبل ذاته التصريف فيها وجعل في نفوس العالم الافتقار إليه فيما فيه بقاؤهم ومصالحهم وتمشية أغراضهم فكأنه قد وطأ نفسه لجميع ما يريدونه منه وما يريدونه به ولهذا إذا سألوه فيما لم يجئ وقته قال لهم سنفرغ لكم فهو الفاعل في كل حال وليست ذاته بمحل لظهور الآثار فقد وقعت التوطئة أنه مهيأ لما يحتاج إليه الكون لا لنفسه وله في كل ما أوجده تسبيح هو غذاء ذلك الموجود فلهذا أخبر سبحانه أنه ما من شئ إلا وهو يسبح بحمده وقد ذكرناه في مقام الفتوة (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه متداخل الصفات وذلك أن المحب يطلب الاتصال بالمحبوب ويطلب اتباع إرادة المحبوب وقد يريد المحبوب ما يناقض الاتصال فقد تداخلت صفات المحب في مثل هذا المحب الله هو الأول من عين ما هو آخر فدخلت آخريته على أوليته ودخلت أوليته على آخريته وما ثم إلا عينه فأوليته عينه وآخريته عبده وهو محبوبه فقد تداخلت صفاته في صفات محبوبه فإن قلت عبد لم تخلص وإن قلت سيد لم تخلص وأنت صادق في الأمرين فهذا حكم التداخل (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه ما له نفس مع محبوبه يقول ما هو مستريح مع محبوبه لأنه مراقب محبوبه في كل نفس يرى أين محابه فيتصرف فيها فلا يبرح ذا عناء ببذل المجهود في رضي المحبوب ورضاه مجهول فلا راحة للمحب فهذا معنى قولهم ما له نفس أي لا يستريح من التنفيس وهو إزالة الكرب والشدة وهذا نعت المحب الصادق في حبه المحب الله قوله كل يوم هو في شأن ولا يتصرف إلا في حق عباده ولا يقصد من عباده إلا أحبابه وينتفع الباقي بحكم التبعية يأكلون فضلات موائدهم فشغله بمصالحهم دنيا وآخرة غير أنه موصوف بأنه لا يمسه لغوب يقول تعالى ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب وهو قوله أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد يعني في كل نفس هو تعالى في خلق جديد في عباده وهو قوله كل يوم هو في شأن وقال في أهل السعادة لا يمسهم فيها نصب مع كونهم في كل حال يتصرفون في حق الله لا في حق نفوسهم ثم إن ذلك يعود عليهم لا يقصدونه من أجل عوده عليهم بل الحقائق تعطي ذلك فلهذا وصف المحب بأنه لا نفس له مع محبوبه (منصة ومجلى) نعت المحب بأنه كله لمحبوبه وذلك أنه مجموع وبحكم جمعيته ظهر عينه فآحاده لله إذ الأحدية لله وليس المجموع سوى هذه الآحاد فكله لله فإن كل واحد من المجموع إذا ضربته في الواحد الحق كان الخارج من ذلك واحد الحق فهذا معنى كله لمحبوبه وهو واحد المجموع لأن المجموع له أحدية وعلى هذا يخرج إذا كان المحب الله فالكل في حق الله مع أحديته إنما ذلك الأسماء الإلهية وهي التسعة والتسعون فظهرت الكثرة في الأسماء فصح اسم الكل وآحاد هذا الكل عين كل اسم على حدة يطلب من العبد ذلك الاسم حقيقة واحدة يظهر سلطانه فيها ولا تكون إلا واحدة فتضرب الواحد في الواحد فيظهر في الشاهد واحد العبد وهو المحبوب فكله لله لأن الأسماء كلها تظهر أحكامها في العبد والأسماء لله
(٣٥٦)