فاس حتى نرى ما ذكر لي في ذلك فسافرت فلما جاءتني تلك الجماعة وجدت الله قد سلبهم ذلك وانتزعه من صدورهم فسألوني عنه فسكت عنهم وهذا من أعجب ما جرى لي في هذا الباب فلله الحمد حيث لم يعاقبني بالوحشة التي قالها هذا الشاب لذي النون ولما كان طريق الله ذوقا تخيل هذا الشاب أن الذي عامله به الحق هكذا يعامل به جميع الخلق فذوقه صحيح وحكمه في ذلك على الله ليس بصحيح وهذا يقع في الطريق كثيرا إلا من المحققين فإنه لا يقع لهم مثل هذا لمعرفتهم بمراتب الأمور وحقائقها وهو علم عزيز المنال (وروينا) عن ذي النون من حديث محمد بن يزيد عن ذي النون قال قلت لامرأة متى يحوي الهموم قلب المحب قالت إذا كان للتذكار مجاورا وللشوق محاضرا يا ذا النون أما علمت إن الشوق يورث السقام وتجديد التذكار يورث الحزن ثم قالت لم أذق طيب طعم وصلك حتى * زال عني محبتي للأنام قال فأجبتها نعم المحب إذا تزايد وصله * وعلت محبته بعقب وصال فقالت أوجعتني أوجعتني أما علمت أنه لا يوصل إليه إلا بترك من دونه قلت لو قالت لي مثل هذا قلت لها إذا كان ثم (وحدثنا) غير واحد منهم ابن أبي الصيف عن عبد الرحمن بن علي قال أخبرنا إبراهيم بن دينار قال حدثنا إسماعيل بن محمد إنا عبد العزيز بن أحمد أخبرني أبو الشيخ عبد الله بن محمد قال سمعت أبا سعيد الثقفي يحكي عن ذي النون قال كنت في الطواف فسمعت صوتا حزينا وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول أنت تدري يا حبيبي * يا حبيبي أنت تدري ونحول الجسم والروح * يبوحان بسري يا عزيزي قد كتمت الحب * حتى ضاق صدري قال ذو النون فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت وقالت إلهي وسيدي ومولاي بحبك لي إلا غفرت لي قال فتعاظمني ذلك وقلت يا جارية أما يكفيك أن تقولي بحبي لك حتى تقولي بحبك لي فقالت إليك يا ذا النون أما علمت إن لله قوما يحبهم قبل أن يحبوه أما سمعت الله يقول فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له فقلت من أين علمت أني ذو النون فقالت يا بطال جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك ثم قالت انظر من خلفك فأدرت وجهي فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتعلتها قلت يقرب حديث هذه الجارية من حال موسى ع مع ربه انظر إلى الجبل لله تعالى ميادين تسمى ميادين المحبة كلها ثم يختص كل ميدان منها باسم من نعوت المحبة مثل ميدان الوجد وميدان الشوق وكل حال يكون فيه جولان وحركة فله ميدان هذا أمر كلي وكذلك أيضا للمعارف حضرات ومجالس ما هي ميادين إلا إذا أشهدك سبحانه في معرفته تفرقة في أعيان الأكوان فإن شاهدت أنه العين الظاهرة فيها بأسمائها فتلك ميادين الأسرار وإن شاهدت معيته للأكوان بأسمائه فتلك ميادين الأنوار وإن اختلط عليك الأمر فترى أمرا فتقول هو هو ثم ترى أمرا فتقول ما هو هو ثم ترى أمرا فتقول لا أدري أهو هو أم لا هو هو فتلك ميادين الحضرة ولكل عين كون علامة يعرفها من جال في هذه الميادين فيعرف بتلك العلامة من قامت به في عالم الشهادة في هذه الهياكل المظلمة بالطبع المنورة بالمعرفة فمن هناك يسمونهم بأسمائهم مثل حال هذه الجارية وروينا من حديث موسى بن علي الإخميمي عن ذي النون أنه لقي رجلا باليمن كان قد رحل إليه في حكاية طويلة وفيها ثم قال له ذو النون رحمك الله ما علامة المحب لله فقال له حبيبي إن درجة الحب درجة رفيعة قال فإنا أحب أن تصفها لي قال إن المحبين لله شق لهم عن قلوبهم فأبصروا بنور القلوب عز جلال الله فصارت أبدانهم دنياوية وأرواحهم حجبية وعقولهم سماوية تسرح بين صفوف الملائكة وتشاهد تلك الأمور باليقين فعبدوه بمبلغ استطاعتهم حبا له لا طمعا في جنة ولا خوفا من نار فشهق الفتى شهقة كانت فيها نفسه قلنا كان هذا القائل من العارفين فإنه ذكر ما يدل على ذلك وهي ثلاثة ألقاب ليس في الكون إلا هي فقال أبدانهم دنياوية لأنه قال وفي الأرض إله فلا بد أن يترك له من حقائقه من يكون معه في الدنيا إذ كان الإنسان مجموع العالم وليس إلا بدنه لأنه أقرب إليه من
(٣٤٩)