منصة ومجلى نعت المحب بأنه كثير التأوه وهو قوله إن إبراهيم لأواه حليم وصف الحق من كونه اسمه الرحمن أن له نفسا ينفس به عن عباده وفي ذلك النفس ظهر العالم ولذلك جعل تكوين العالم بقول كن والحرف مقطع الهواء فالهواء يولده ما هو هو لأنه لا يظهر الحرف إلا عند انقطاع الهواء والهواء نفس ولهذا الهواء في العناصر هو نفس الطبيعة ولهذا يقبل الحروف وهو ما يظهر فيه من الأصوات عند الهبوب والظاهر من تلك الأصوات حرف الهاء والهمزة وهما أقصى المخارج مخارج الحروف فإنهما مما يلي القلب وهما أول حروف الحلق بل حروف الصدر فهما أول حرف يصوره المتنفس وذلك هو التأوه لقربه من القلب الذي هو محل خروج النفس وانبعاثه فيظهر عنه جميع الحروف كما يظهر العالم بالتكوين عن قول كن وهو سر عجيب سأذكره في باب النفس بفتح الفاء إن شاء الله فإذا تجلى الحق من قلب المحب ونظرت إليه عين البصيرة لأن القلب وسع الحق ورأى ما يقع من الذم على هذه النشأة الطبيعية وهي تحتوي على هذه الأسرار الإلهية وإنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون فذمت وجهل قدرها فكثر منه التأوه لهذه القادحة لما يرى في ذلك من الوضوح والجلاء والناس في عماية عن ذلك لا يبصرون فيتأوه غيرة على الله وشفقة على المحجوبين لكون النبي ص جعل كمال الايمان في المؤمن أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فلهذا يتأسف على من حرمه الله هذا الشهود ويتأوه لحبه في محبوبه من أجل ما يراه من عمى الخلق عنه ومن شأن المحب الشفقة على المحبوب لأن الحب يعطي ذلك منصة ومجلى نعت المحب بأنه يستريح إلى كلام محبوبه وذكره بتلاوة ذكره قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر فسمى كلامه ذكرا فاعلم إن أصل وجود الكون لم يكن عن صفة إلهية إلا عن صفة الكلام خاصة فإن الكون لم يعلم منه إلا كلامه وهو الذي سمع فالتذ في سماعه فلم يتمكن له إلا أن يكون ولهذا السماع مجبول على الحركة والاضطراب والنقلة في السامعين لأن السامع عند ما سمع قول كن انتقل وتحرك من حال العدم إلى حال الوجود فتكون فمن هنا أصل حركة أهل السماع وهم أصحاب وجد ولا يلزم فيمن 7 فإن الوجد لذاته يقتضي ما يقتضي وإنما المحبوب يختلف فالحب والوجد والشوق وجميع نعوت الحب وصف للحب كان المحبوب ما كان إلا أني اختصصت في هذا الكتاب الحب المتعلق بالله الذي هو المحبوب على الحقيقة وإن كان غير مشعور به في مواطن عند قوم ومشعورا به عند قوم وهم العارفون فما أحبوا إلا الله مع كونهم يحبون أرواحهم وأهليهم وأصحابهم فاعلم ذلك حتى إن بعض الصالحين حكى لنا عنه أنه قال إن قيسا المجنون كان من المحبين لله وجعل حجابه ليلى وكان من المولهين وأخذت صدق هذا القول من حكايته التي قال فيها لليلى إليك عني فإن حبك شغلني عنك وما قربها ولا أدناها ومن شأن الحب أن يطلب المحب الاتصال بالمحبوب وهذا الفعل نقيض المحبة ومن شأن المحب أن يغشى عليه عند فجأة ورود المحبوب عليه ويدهش وهذا يقول لها إليك عني وما دهش ولا فنى فتحقق عندي بهذا الفعل صدق ما قاله هذا العارف في حق قيس المجنون وليس ببعيد فلله ضنائن من عباده فمن هناك استراح المحبون إلى كلام المحبوب وذكره والقرآن كلامه وهو ذكر فلا يؤثرون شيئا على تلاوته لأنهم ينوبون فيه عنه فكأنه المتكلم كما قال فأجره حتى يسمع كلام الله والتالي إنما هو محمد ص فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته فهم الأحباب المحبون منصة ومجلى نعت المحب بأنه موافق لمحاب محبوبه هذا ما يكون إلا من نعوت المحبين لله خاصة لكونه تعالى لا يحد ولا يتقيد وهو المتجلي في الاسم القريب كما يتجلى في الاسم البعيد فهو البعيد القريب قال المحب وكل ما يفعل المحبوب محبوب فإذا فعل البعد كان محبوبه البعد عن المحبوب لأنه محبوب المحبوب فإنه أحبه لحب المحبوب لا بنفسه ولا يحبه بحب المحبوب لا بنفسه حتى يكون المحبوب صفة له وإذا كان المحبوب من صفات المحب قام به وإذا قام به فهو في غاية الوصلة في عين البعد أوصل منه به في القرب لأنه في القرب بصفة نفسه لا بصفة محبوبه لأنه لا يقوم بالمحل علتان لمعلول واحد هذا لا يصح فما يحب القرب إلا لنفسه كما لا يحب البعد إلا بمحبوبه فهو في حب البعد أتم منه محبة في حب القرب ولنا في هذا المعنى هوى بين الملاحة والجمال * يقاسيه القوي من الرجال ويضعف عنه كل ضعيف قلب * تقلب في النعيم وفي الدلال
(٣٥٢)