بما يحمله من المحبة حبه إلهي وشوقه رباني مؤيد باسمه القدوس عن تأثير الكلام المحسوس برهان ذلك هذا الذي ذاب حتى صار ماء لو لم يكن ذا حب ما كان هذا حاله فقد كان محبا ولم يذب حتى سمع كلام الشيخ فثاركا من حبه فكان منه ما كان فحب لا حكم له في المحب حتى يثيره كلام متكلم حب طبيعي لأن الطبيعة هي التي تقبل الاستحالة والإثارة إذ قد كان موصوفا بالحب قبل كلام الشيخ ولم يذب هذا الذوبان الذي صيره ماء بعد ما كان عظما ولحما وعصبا فلو كان إلهي الحب ما أثرت فيه كلمات الحروف ولا هزت روحانيته هذه الظروف فاستحى من دعواه في الحب وقام في قلبه نار الحياء فما زال يحلله إلى أن صار كما حكي فلا يلحق التغيير في الأعيان والتنقل في أطوار الأكوان إلا صاحب الحب الطبيعي وهذا هو الفرقان بين الحب الروحاني الإلهي وبين الحب الطبيعي والحب الروحاني وسط بين الحب الإلهي والطبيعي فيما هو إلهي يبقى عينه وبما هو طبيعي يتغير الحال عليه ولا يفنيه فالفناء أبد من جهة الحب الطبيعي وبقاء العين من جانب الحب الإلهي جبريل لما كان حبه روحانيا وهو روح وله وجه إلى الطبيعة من حيث جسميته لأن الأجسام الطبيعية الخارجة عن العناصر لا تستحيل بخلاف الأجسام العنصرية فإنها تستحيل لأنها عن أصول مستحيلة والطبيعة لا تستحيل في نفسها لأن الحقائق لا تنقلب أعيانها فغشي على جبريل ولم يذب عين جوهر جسمه كما ذاب صاحب الحكاية فغشي عليه من حيث ما فيه من حب الطبيعة وبقي العين منه من حيث حبه الإلهي فالمحب الإلهي روح بلا جسم والمحب الطبيعي جسم بلا روح والمحب الروحاني ذو جسم وروح فليس للمحب الطبيعي العنصري روح يحفظه من الاستحالة فلهذا يؤثر الكلام في المحبة في المحب الطبيعي ولا يؤثر في المحب بالحب الإلهي ويؤثر بعض تأثير في المحب بالحب الروحاني حدثنا محمد بن إسماعيل اليمني بمكة قال حدثنا عبد الرحمن بن علي قال أنا أبو بكر بن حبيب العامري قال أنا علي بن أبي صادق قال أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه الشيرازي قال أخبرنا بكران بن أحمد قال سمعت يوسف بن الحسين قال كنت قاعدا بين يدي ذي النون وحوله ناس وهو يتكلم عليهم والناس يبكون وشاب يضحك فقال له ذو النون ما لك أيها الشاب الناس يبكون وأنت تضحك فأنشأ يقول كلهم يعبدون من خوف نار * ويرون النجاة حظا جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأى * أنا لا أبتغي بحبي بديلا فقيل له فإن طردك فما ذا تفعل فقال فإذا لم أجد من الحب وصلا * رمت في النار منزلا ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي * بكرة في ضريعها وأصيلا معشر المشركين نوحوا على * أنا عبد أجبت مولا جليلا إن لم أكن في الذي ادعيت صدوقا * فجزاني منه العذاب الوبيلا وخدمت أنا بنفسي امرأة من المحبات العارفات بإشبيلية يقال لها فاطمة بنت ابن المثنى القرطبي خدمتها سنين وهي تزيد في وقت خدمتي إياها على خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أن أنظر إلى وجهها وهي في هذا السن من حمرة خديها وحسن نعمتها وجمالها تحسبها بنت أربع عشرة سنة من نعمتها ولطافتها وكان لها حال مع الله وكانت تؤثرني على كل من يخدمها من أمثالي وتقول ما رأيت مثل فلان إذا دخل علي دخل بكله لا يترك منه خارجا عني شيئا وإذا خرج من عندي خرج بكله لا يترك عندي منه شيئا وسمعتها تقول عجبت لمن يقول إنه يحب الله ولا يفرح به وهو مشهوده عينه إليه ناظرة في كل عين لا يغيب عنه طرفة عين فهؤلاء البكاءون كيف يدعون محبته ويبكون أما يستحيون إذا كان قربه مضاعفا من قرب المتقربين إليه والمحب أعظم الناس قربة إليه فهو مشهوده فعلى من يبكي إن هذه لأعجوبة ثم تقول لي يا ولدي ما تقول فيما أقول فأقول لها يا أمي القول قولك قالت إني والله متعجبة لقد أعطاني حبيبي فاتحة الكتاب تخدمني فوالله ما شغلتني عنه فذلك اليوم عرفت مقام هذه المرأة لما قالت إن فاتحة الكتاب تخدمها فبينا نحن قعود إذ دخلت امرأة فقالت لي يا أخي إن زوجي في شريش شذونة أخبرت أنه يتزوج بها فما ذا ترى قلت لها وتريدين أن يصل قالت نعم
(٣٤٧)