فرددت وجهي إلى العجوز وقلت لها يا أم ألا تسمعين ما تقول هذه المرأة قالت وما تريد يا ولدي قلت قضاء حاجتها في هذا الوقت وحاجتي أن يأتي زوجها فقالت السمع والطاعة إني أبعث إليه بفاتحة الكتاب وأوصيها أن تجئ بزوج هذه المرأة وأنشأت فاتحة الكتاب فقرأتها وقرأت معها فعلمت مقامها عند قراءتها الفاتحة وذلك إنها تنشيها بقراءتها صورة مجسدة هوائية فتبعثها عند ذلك فلما أنشأتها صورة سمعتها تقول لها يا فاتحة الكتاب تروحي إلى شريش وتجيئني بزوج هذه المرأة ولا تتركيه حتى تجئ به فلم يلبث إلا قدر مسافة الطريق من مجيئه فوصل إلى أهله وكانت تضرب بالدف وتفرح فكنت أقول لها في ذلك فتقول لي إني أفرح به حيث اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه ومن أنا حتى يختارني هذا السيد على أبناء جنسي وعزة صاحبي لقد يغار على غيرة ما أصفها ما ألتفت إلى شئ باعتماد عليه عن غفلة إلا أصابني ببلاء في ذلك الذي التفت إليه ثم أرتني عجائب من ذلك فما زلت أخدمها بنفسي وبنيت لها بيتا من قصب بيدي على قدر قامتها فما زالت فيه حتى درجت وكانت تقول لي أنا أمك الإلهية ونور أمك الترابية وإذا جاءت والدتي إلى زيارتها تقول لها يا نور هذا ولدي وهو أبوك فبريه ولا تعقيه أخبرنا يونس بن يحيى بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال أخبرنا أبو بكر بن الغزال قال أخبرنا أبو الفضل بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال حدثنا محمد ابن إبراهيم المذكر حدثنا محمد بن يزيد قال سمعت ذا النون يقول خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام فبينا أنا أطوف إذ أنا بشخص متعلق بأستار الكعبة وإذا هو يبكي ويقول في بكائه كتمت بلائي من غيرك وبحت بسري إليك واشتغلت بك عمن سواك عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك ثم أنشأ يقول ذوقتني طعم الوصال فزدتني شوقا إليك مخامر الأحشاء ثم أقبل يخاطب نفسه فقال أمهلك فما ارعويت وستر عليك فما استحييت وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت ثم قال عزيزي مالي إذا قمت بين يديك ألقيت على النعاس ومنعتني حلاوة مناجاتك لم قرة عيني لمة ثم أنشأ يقول روعت قلبي بالفراق فلم أجد * شيئا أمر من الفراق وأوجعا حسب الفراق بأن يفرق بيننا * ولطالما ما قد كنت منه مروعا قال ذو النون فأتيت إليه فإذا به امرأة (حكاية) محب أذاع سر محبوبه أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف حدثنا عبد الرحمن بن علي أخبرنا المحمدان بن ناصر وابن عبد الباقي وحدثني أيضا عنهما يونس بن يحيى قالا أخبرنا حمد بن أحمد أخبرنا أحمد بن عبد الله حدثنا أحمد بن محمد المتوكلي حدثنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا علي بن القاسم الشاهد قال سمعت أحمد بن محمد بن عيسى الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول كان شاب يحضر مجلس ذي النون المصري مدة ثم انقطع عنه زمانا ثم حضر عنده وقد اصفر لونه ونحل جسمه وظهرت آثار العبادة عليه والاجتهاد فقال له ذو النون يا فتى ما الذي أكسبك خدمة مولاك واجتهادك من المواهب التي منحك بها ووهبها لك واختصك بها فقال الفتى يا أستاذ وهل رأيت عبدا اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزائن ثم أسر إليه سرا أيحسن أن يفشي ذلك السر ثم أنشأ يقول من سارروه فأبدى السر مجتهدا * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وباعدوه فلم يسعد بقربهم * وأبدلوه من الإيناس إيحاشا لا يصطفون مذيعا بعض سرهم * حاشى ودادهم من ذلكم حاشا يقول لا يصح لاجتهاد في سر المحبوب المحب بل ينتظر أمر محبوبه فإن أمره بإذاعته أذاعه وإن لم فالأصل الكتمان ولقد منحني الله سرا من أسراره بمدينة فاس سنة أربع وتسعين وخمسمائة فأذعته فإني ما علمت أنه من الأسرار التي لا تذاع فعوتبت فيه من المحبوب فلم يكن لي جواب إلا السكوت إلا أني قلت له تول أنت أمر ذلك فيمن أودعته إياه إن كانت لك غيرة عليه فإنك تقدر ولا أقدر وكنت قد أودعته نحوا من ثمانية عشر رجلا فقال لي أنا أتولي ذلك ثم أخبرني أنه سله من صدورهم وسلبهم إياه وأنا بسبتة فقلت لصاحبي عبد الله الخادم إن الله أخبرني أنه فعل كذا وكذا فقم بنا نسافر إلى مدينة
(٣٤٨)