فحبيبي مني وفي وعندي فلما ذا أقول ما بي وما بي أما قولنا يذهب الحب بالعقول فإنهم قالوا ولا خير في حب يدبر بالعقل وقال أبو العباس المقراني الكساد الحب أملك للنفوس من العقول وإنما قالوا ذلك لأن العقل يقيد صاحبه والحب من أوصافه الضلال والحيرة والحيرة تنافي العقل فإن العقل يجمعك والحيرة تفرقك قال إخوة يوسف ليعقوب إنك لفي ضلالك القديم يريدون حيرته في حب يوسف والحيرة تفرق ولا تجمع ولهذا وصفت المحبة بالبث وهو تفرق هموم المحب في وجوه كثيرة قال تعالى وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وكذلك قوله هباء منبثا والمحب في حكم محبوبه فلا تدبير له في نفسه وإنما هو يحكم ما يعطيه ويأمره به سلطان الحب المستولي على قلبه ومن ضلالته في حبه أنه يتخيل في كل شخص أن محبوبه حسن عنده وأنه يرى منه مثل ما يراه هذا المحب وهذا من الحيرة وعلى هذا جرى المثل حسن في كل عين من تود يعني عندك أيها المحب تتخيل أن كل من يرى محبوبك يحسن عنده كما يحسن عندك ومن ضلالة المحب أنه يتحير في الوجوه التي يرى أنه يحصل محبوبه منها فيقول أفعل كذا لنصل بهذا الفعل إلى محبوبي أو كذا وكذا فلا يزال يحار في أي الوجوه يشرع لأنه يتخيل أن وجود اللذة بمحبوبه في الحس أعظم منها في الخيال وذلك لغلبة الكثافة على هذا المحب ويغفل عن لذة التخيل في حال النوم فإنه أشد من التذاذه بالخيال لأنه أشد اتصالا به من الخيال والاتصال بالخيال أشد من الاتصال بالخارج وهو المحسوس فلذته بمعنى أشد اتصالا من الخيال فيحار المحب في تحصيل الوجوه التي بها يصل إلى الاتصال من خارج ويسأل عن ذلك من يعرف أن عنده خبرا من هذا الشأن عسى يجد عنده حيلة في ذلك ولا سيما وقد سمع في ذلك في قول القائل لو صح منك الهوى أرشدت للحيل يعني فيما تصنع حتى تتصل بالمحبوب (وصل) فأول ما أذكره من نعوت المحبين ما حدثنا به يونس بن يحيى بن أبي الحسن الهاشمي العباسي القصار بمكة تجاه الركن اليماني من الكعبة المعظمة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال أخبرنا ابن عبد الباقي أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أحمد بن عبد الله حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا أبو بكر الدينوري المفسر سنة ثمان وثمانين ومائتين حدثنا محمد بن أحمد الشمساطي قال سمعت ذا النون يقول إن لله عبادا ملأ قلوبهم من صفاء محض محبته وفسح أرواحهم بالشوق إلى رؤيته فسبحان من شوق إليه أنفسهم وأدنى منه فهمهم وصفت له صدورهم فسبحان موفقهم ومؤنس وحشتهم وطبيب أسقامهم إلهي لك تواضعت أبدانهم وإلى الزيادة منك انبسطت أيديهم فأذقتهم من حلاوة الفهم عنك ما طيبت به عيشهم وأدمت به نعيمهم ففتحت لهم أبواب سماواتك وأبحت لقلوبهم الجولان في ملكوتك بل ما نسيت محبة المحبين وعليك معول شوق المشتاقين وإليك حنت قلوب العارفين وبك أنست قلوب الصادقين وعليك عكفت رهبة الخائفين وبك استجارت أفئدة المقصرين قد يئست الراحة من فتورهم وقل طمع الغفلة فيهم فهم لا يسكنون إلى محادثة الفكرة فيما لا يعنيهم ولا يفترون عن التعب والسهر يناجونه بألسنتهم ويتضرعون إليه بمسكنتهم يسألونه العفو عن زلاتهم والصفح عما وقع من الخطاء في أعمالهم فهم الذين ذابت قلوبهم بفكر الأحزان وخدموه خدمة الأبرار ومن نعوتهم رضي الله عنهم النحول وهو نعت يتعلق بكنائفهم وبلطائفهم فأما تعلقه بلطائفهم فإن أرواح المحبين وإن لطفت عن إدراك الحواس ولطفت عن تصوير الخيال فإن الحب يلطفها لطافة السراب لمعنى أذكره وذلك أن السراب يحسبه الظلمان ماء وذلك لظمئه لولا ذلك ما حسبه ماء لأن الماء موضع حاجته فيلجأ إليه لكونه مطلوبه ومحبوبه لما فيه من سر الحياة فإذا جاءه لم يجده شيئا وإذا لم يجده شيئا وجد الله عنده عوضا من الماء فكان قصده حسا للماء والله يقصد به إليه من حيث لا يشعر فكما أنه تعالى يمكر بالعبد من حيث لا يشعر كذلك يعتني بالعبد في الالتجاء إليه والرجوع إليه والاعتماد عليه بقطع الأسباب عنه عند ما يبديها له من حيث لا يشعر فوجود الله عنده عند فقد الماء المتخيل له في السراب هو رجوعه إلى الله لما تقطعت به الأسباب وتغلقت دون مطلوبه الأبواب رجع إلى من بيده ملكوت كل شئ وهو كان المطلوب به من الله هذا فعله مع أحباه يردهم إليه اضطرارا واختيارا كذلك أرواحهم يحسبونها قائمة بحقوق الله التي فرضها عليها وإنها المتصرفة عن أمر الله محبة لله وشوقا إلى مرضائه
(٣٣٨)