به لا لأمر آخر ولكن لا يعرف معنى قوام وجوده وإنما يجد داعية من نفسه للاتصال بموجود معين ذلك الاتصال هو محبوبه بالأصالة وذلك لا يكون إلا في موجود معين فيحب ذلك الوجود بحكم التبعية لا بالأصالة فاتصاله اتصال محسوس وقرب محسوس وهو قولنا وجثمانا بجثمان فهذا هو غاية الحب الطبيعي فإن كان نكاحا عين محبوبه في موجود ما فغايته حصول ذلك المحبوب في الوجود فيطلب ويشتاق للمحل الذي يظهر فيه عين محبوبه ولا يظهر إلا بينهما لا في واحد منهما لأنها نسبة بين اثنين وكذلك إن كان عناقا أو تقبيلا أو مؤانسة أو ما كان ولا فرق بين أن تقول طبيعة الشئ أو حقيقته كل ذلك سائغ في العبارة عنه وهو في الإنسان أتم من غيره لأنه جامع حقائق العالم والصورة الإلهية فله نسبة إلى الجناب الأقدس فإنه عنه ظهر وعن قوله كن تكون وله نسبة إلى الأرواح بروحه وإلى عالم الطبيعة والعناصر بجسمه من حيث نشأته فهو يحب كل ما تطلبه العناصر والطبيعة بذاته وليس إلا عالم الأجسام والأجساد والأرواح ومنها أجسام عنصرية وكل جسم عنصري فهو طبيعي ومنها أجسام طبيعية غير عنصرية فما كل جسم طبيعي عنصري فالعناصر من الأجسام الطبيعية لا يقال فيها عنصرية وكذلك الأفلاك والأملاك ولهذا عرفنا إن الملأ الأعلى يختصمون فيدخلون في قوله تعالى ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك وهم يخالفون هؤلاء المرحومين مخالفيهم ولذلك خلقهم أي من أجل الخلاف خلقهم لأن الأسماء الإلهية متفاضلة فمن هناك صدر الخلاف أين الضار من النافع والمعز من المذل والقابض من الباسط وأين الحرارة من البرودة وأين الرطوبة من اليبوسة وأين النور من الظلمة وأين العدم من الوجود وأين النار من الماء وأين الصفراء من البلغم وأين الحركة من السكون وأين العبودية من الربوبية أليست هذه متقابلات فلا يزالون مختلفين وأين التحليل من التحريم في العين الواحدة للشخصين فيحرم على هذا ما يحل لهذا فيتوارد حكمان مختلفان على عين واحدة فانظر حكم الطبيعة المتضادة من أين صدرت وما كان سبب وجودها متقابلة من العلم الإلهي لتعلموا أنه ليس بيد أحد من المخلوقين مما سوى الله من الأمر شئ لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى أن الآخرة ذات دارين رؤية وحجاب فالحمد لله الذي أبان لنا عن الأمور ومصادرها ومواردها وجعلنا من العارفين بها فالله يجعلنا ممن أسعده بما علمه فقد تبين لك أن المحبوب هو الاتصال بموجود ما من كثيرين أو قليلين ومع كونه مؤانسة ومجالسة وتقبيلا وعناقا وغير ذلك بحسب ما تقتضيه حقيقة الموجود فيه عين المحبوب وبحسب حقيقة المحب فالمحبوب واحد العين متنوع وهو حب الاتصال خاصة إما بحديث أو ضم أو تقبيل هذا تنوعه في واحد أو كثيرين فلا يصح أن يحب المحب اثنين أصلا لأن القلب لا يسعهما فإن قلت هذا يمكن أن يصح في حب المخلوق وأما في حب الخالق فلا فإنه قال يحبهم فأحب كثيرين قلنا الحب معقول المعنى وإن كان لا يحد فهو مدرك بالذوق غير مجهول ولكن عزيز التصور وهو مجهول النسبة إلى الله تعالى فإن الله ليس كمثله شئ فقولك وأما في حب الحق فلا هذا تحكم منك فإنه لا يقول هذا إلا من يعرف ذات الحق وهي لا تعرف فلا تعرف النسبة وتعرف المحبة فإنه ما خاطب عباده إلا بلسانهم وبما يعرفونه في لحتهم من كل ما ينسبه إلى نفسه ووصف أنه عليه ولكن كيفية ذلك مجهولة (وصل) وأما القسم الثاني وهو الحب العنصري فهو وإن كان طبيعيا فبين القسمين فارق وذلك أن الطبيعي لا يتقيد بصورة طبيعية دون صورة طبيعية وهو مع كل صورة كما هو مع الأخرى في الحب مثل الكهرباء مع ما يتعلق بها ومسكه بالخاصية وأما العنصري فهو الذي يتقيد بصورة طبيعية وحدها كقيس ليلى وقيس لبنى وكثير عزة وجميل بثينة ولا يكون هذا إلا لعموم المناسبة بينهما كمغناطيس الحديد ويشبهه في الحب الروحاني وما منا إلا له مقام معلوم ويشبهه من الحب الإلهي التقييد بعقيدة واحدة دون غيرها كما يشبه الروحاني الطبيعي في الطهارة ويشبه الإلهي الطبيعي في الذي يراه في جميع العقائد عينا واحدة (وصل) واعلم أن الحب كما قلناه وإن كان له أربعة ألقاب فلكل لقب حال فيه ما هو عين الآخر فلنبين ذلك كله فمن ذلك الهوى ويقال على نوعين وهما في الحب النوع الواحد سقوطه في القلب وهو ظهوره من الغيب إلى الشهادة في القلب يقال هوى النجم إذا سقط يقول تعالى والنجم إذا هوى فهو من أسماء الحب في ذلك الحال والفعل منه هوى
(٣٣٥)