وصفه نفسه بأنه كاره لذلك فهذا عين كراهة ما يجده المريض في شرب الدواء لأن مرتبة العلم تعطي ذلك فإنه وقوع خلاف المعلوم محال فلا بد من وجوب وجود العالم لما تعطيه الحقائق الإلهية وأين الإمكان من الوجوب فاشحذ فؤادك واعلم أن الله شاكر عليم فأردف وصفه نفسه بالشكر وصفه بالعلم فزد في عملك تكن قد جازيت ربك على شكره إياك على ما عملت له وذلك العمل هو الصوم فإنه له ودفع الأذى عنه وهو قوله هل واليت في وليا أو عاديت في عدوا وهو قوله وجبت محبتي للمتحابين في والمتزاورين في والمتجالسين في والمتباذلين في والله يجعلنا ممن أنعم عليه فرأى نعمة الله عليه في كل حال فشكر ومن ذلك حب المحسنين وهو قوله والله يحب المحسنين والإحسان صفته وهو المحسن المجمل فصفته أحب وهي الظاهرة في نفسه والإحسان الذي به يسمى العبد محسنا هو أن يعبد الله كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله إنه على كل شئ شهيد وهو معكم أينما كنتم فشهوده لكل شئ هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل فيه العبد فهو من إحسان الله إذ هو الذي نقله تعالى ولهذا سمي الإنعام إحسانا فإنه لا ينعم عليك بالقصد إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن على الدوام فإنه يراك على الدوام لأنه يعلمك دائما وليس الإحسان في الشرع إلا هذا وقد قال له فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن وهذا تعليم النبي ص لجبريل بحضور الصحابة من باب قولهم إياك أعني فاسمعي يا جارة فالمخاطب غير مقصود بذلك العلم فإنه عالم به والمقصود به من حضر من السامعين وبهذا فسره رسول الله ص فقال في هذا الحديث هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم ومن ذلك حب المقاتلين في سبيل الله بوصف خاص قال تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص يريد لا يدخله خلل فإن الخلل في الصفوف طرق الشياطين والطريق واحدة وهي سبيل الله وإذا قطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراض لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الحظ وهذا معنى الرص لوجود سبيل الله فمن لم يكن له تعمل في ظهور سبيل الله فليس من أهل الله وكذلك صفوف المصلين لا تكون في سبيل الله حتى تتصل ويتراص الناس فيها وحينئذ يظهر سبيل الله في عينه فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيل الله وإزالته من الوجود فأراد الله من عباده في مثل هذا أن يجعلهم من الخالقين ولذلك قال فتبارك الله أحسن الخالقين ولا يكون السبيل إلا هكذا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارع لا نقطة فيه وحينئذ تظهر صورة الحظ كذلك الصف لا يظهر فيه سبيل الله حتى يتراص الناس فيه فهو يطلب الكثرة وهو في جناب الله تراص أسمائه تبارك وتعالى فيظهر عن تراصها سبيل الخلق فيكون الحي وإلى جانبه العليم ولا يكون بينهما فراع لاسم آخر ويكون إلى جانبه المريد ويكون إلى جانبه القائل ويكون إلى جانبه القادر ويكون إلى جانبه الحكم وإلى جانبه المقيت وإلى جانبه المقسط وإلى جانبه المدبر وإلى جانبه المفصل وإلى جانبه الرازق وإلى جانبه المحيي فهكذا يكون صف الأسماء الإلهية لإيجاد سبيل الخلق الذي يكون بهذا التراص وجوده فإذا ظهرت هذه السبيل وليست بزائدة على تراص هذه الأسماء فاتصف الخلق بهذه الأسماء لأنها بتراصها وهو حالها عن طريق الخلق فلا تزال ظاهرة في الخلق لا تعقل إلا هكذا فالعالم حي عالم مريده قائل قادر حكم مقيت مقسط مدبر مفصل هكذا إلى بقية الأسماء الإلهية وهو المعبر عنه في الطريق بالتخلق بالأسماء فتظهر في العبد كما تظهر في إيجاد الطريق المستقيم بتراصها فإن دخلها في الكون خلل زال سبيل الله وظهرت سبل الشياطين التي تتخلل خلل الصفوف كما ورد في الخبر فاجعل بالك لما نبهتك عليه فإذا قام العبد بأسماء الحق مقام الأسماء في إيجاد الخلق وقاتل بهذه الصفة الأعداء الذين هم بمنزلة الشياطين التي تتخلل خلل الصف فبالضرورة ينصرون لأنه لم يبق هناك خلل يدخل منه العدو فأحب الله من هذه صفتهم وكذا الإنسان وحده هو صف في كل ما هو فيه متحرك فتكون حركاته كلها لله لا يتخللها شئ لغير الله فلا يقاومه أحد فإن الأعداء أبصارهم إليه محدقة ينظرون في حركاته وأفعاله عسى يجدون خللا يدخلون عليه منه فيقطعون بينه وبين الله بقطع سبيل الله وكل فعل خط فإنه مجموع أسماء إلهية وصفات محمودة والأفعال كثيرة فيكثف الأمر ويعظم وتظهر صور المركبات في العالم إذ كل خطين فما زاد سطح وكل سطحين جسم
(٣٤٤)