قلت لفلان الحق وعز عليه سماعه ويزكي نفسه ويجرح غيره وينسى قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم وهو دواء هذه العلة الدواء لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة ولها مواطن وصفة مخصوصة وهو أن يأمره في السر لا في الجهر فإن الجهر علة لا يشعر بها لأنه قد يعطيها لغير الله ثم قال أو معروف وقول المعروف هو القول في موطنه الذي عينه الله ويرجو حصول الفائدة به في حق السامع فهذا معنى أو معروف فمن لم يفعل فهو جاهل وإن ادعى العلم ثم قال أو إصلاح بين الناس فيعلم إن مراد الله التوادد والتحابب فيسعى في ذلك وإن لم يجعل الكلام في موضعه أدى إلى التقاطع والتنافر والتدابر ثم بعد هذا كله قال في حق المتكلم ومن لم يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله ولا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضى الله ولا يعلم ما يرضى الله إلا بالعلم بما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله فيرى عند ما يريد أن ينطق بالأمر هل نطقه به في ذلك الموطن يرضى الله من جميع الوجوه فإن وجد وجها يقدح فيه فالكل غير مقبول وغير مرضي عند الله فإنه لا يحتمل التجزي ولا الانقسام وهذا موضع غلط ودواؤه ما قلنا من العمل المشروع والعلم بما يرضى الله ومن أمراض الأقوال أيضا تغيير المنكر على شخص معين من سلطان وغيره دون أن يعم دواءه معرفة الميزان في ذلك وبراءته في نفسه من كل منكر يعلم أن الشرع ينكره عليه في مذهبه واجتهاده لا غير ولا يلزمه ما هو عند غيره منكر وعنده مباح ثم الذي هو عنده منكر ينظر إلى من يغير عليه ذلك إن كان ممن هو عنده معروف كالنبيذ عند الحنفي المتخذ من التمر إذا رآه يشربه أو يتوضأ به وهو عنده حرام فلا يغيره إلا على من يعتقد تحريمه خاصة أو يكون من المنكر المجمع عليه فهذا هو الميزان وتفاريع الأقوال كثيرة وحصر عللها وأدويتها في أمرين الواحد أن تتكلم إذا اشتهيت أن تسكت وتسكت إذا اشتهيت أن تتكلم والأمر الآخر أن لا تتكلم إلا فيما إن سكت عنه كنت عاصيا وإن لم فلا وإياك والكلام عند ما تستحسن كلامك وتستحليه فإن الكلام في ذلك الوقت من أكبر الأمراض وما له دواء إلا الصمت لا غير إلا أن تشهد على رفع الستر هذا هو الضابط (وصل) وأما أمراض الأفعال فهو أن يكون أداؤك لذلك الفعل الذي هو عبادة كالصلاة مثلا في الملأ أحسن من أدائك في السر يقول ص في مثل هذه الفعلة تلك استهانة استهان بها ربه في رجل حسن صلاته في الملأ وأساءها في الخلوة وهذا من أصعب الأمراض النفسية ودواؤه ألم يعلم بأن الله يرى ويعلم سركم وجهركم والله أحق أن يستحي منه وأمثال هذه الآيات والأخبار ولهذا دواء آخر ولكن يغمض تركيبه وهو أن ينوي بتحسينه تعليم الجاهل وتذكرة الغافل ومن الأمراض الفعلية أيضا ترك العمل من أجل الناس وهو الرياء عند الجماعة وأما العمل من أجل الناس فذلك شرك ما هو رياء عند السادة من أهل الله ودواؤه والله خلقكم وما تعلمون وما أشبه هذه الآية فاعلم ذلك (وصل) وأما أمراض الأحوال فصحبة الصالحين حتى يشتهر في الناس أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته فإن حضروا سماعا وهو قد تعشق بجارية أو غلام والجماعة لا تعلم بذلك فأصابه وجد وغلب عليه الحال لتعلقه بذلك الشخص الذي في نفسه فيتحرك ويصيح ويتنفس الصعداء ويقول الله الله أو هو هو ويشير بإشارات أهل الله والجماعة تعتقد في حاله أنه حال إلهي مع كونه ذا وجد صحيح وحال صحيحة ولكن فيمن دواءه وقد خاب من دساها وما أشبه هذه الآية من الأخبار ومن أمراض الأحوال أيضا أن يلبس دون ما في نفسه دواؤه أن يلبس ما في نفسه مما يحل له لباسه وأمثال هذا فمن عرف هذه العلل وأدوائها واستعملها مع نفسه نفعها (حكي) عن الشيخ روز بهار أنه كان قد ابتلي بحب امرأة مغنية وهام فيها وجدا وكان كثير الزعقات في حال وجده في الله بحيث إنه كان يشوش على الطائفين بالبيت في زمن مجاورته فكان يطوف على سطوح الحرم وكان صادق الحال ولما ابتلي بحب هذه المغنية لم يشعر به أحد وانتقل حكم ذلك الذي كان عنده بالله بها وعلم أن الناس يتخيلون فيه إن ذلك الوجد لله على أصله فجاء إلى الصوفية وخلع الخرقة ورمى بها إليهم وذكر للناس قصته وقال لا أريد أكذب في حالي ولزم خدمة المغنية فأخبرت المرأة بحاله ووجده بها وأنه من أكابر أهل الله فاستحت المرأة وتابت إلى الله مما كانت فيه ببركة صدقه ولزمت خدمته وأزال الله ذلك التعلق بها من قلبه فرجع إلى الصوفية ولبس خرقته ولم ير أن يكذب مع الله في
(٣١٥)