الجهلاء وأصحاب الأغراض لأن الفائدة المطلوبة من النصيحة حصول المنفعة وثبوت الود فإذا وقع النصح في الملأ لم يحصل القبول وأثمر عداوة وذمه الله فإنه يخجل بتلك النصيحة في الملأ ويجعل الشخص الذي خاطبه بالنصح في الملأ يكذب في اعتذاره عن ذلك ويجد عليه فيه ويكون ذلك سببا إلى فساد كبير فلو نصحه في خلوة بطريقة حسنة بأن يظهر له عيب نفسه في نفس الأمر ولا يشعره إنه يقصده بذلك ليعلمه إن كان جاهلا بقبح ذلك الأمر الذي نصحه فيه شكره في نفسه وأحبه ودعى له وأثمر له الخير وكان في ميزانه فما كل حق مأمور به ولا مستحسن شرعا ولا عرفا وكذلك من يجبه الناس بما يكرهون وإن كان حقا فإنه يدل على لؤم الطباع والجهل وقلة الحياء من الله فإنه بعيد أن يسلم في نفسه من عيب يكون فيه لا يرضى الله فلو اشتغل بالنظر في عيبه لشغله ذلك عن عيب غيره ومن التزم تتبع حركات صاحبه بحيث أن يقيد عليه أنفاسه فهو من أشد الأمراض فإنه شغل بما لا يعنيه وغفلة عن نفسه والنفس تخزنه عندها في زمان صداقته ليوم ما وهو لا يشعر ويحجبه عن هذا الشعور محبته فيه في الوقت فإذا وجد في نفسه أدنى كراهة في صاحبه أو أعراض لملل أو هفوة صدرت منه في حقه أخرج ما كان عنده مخزونا من القبائح التي كان خباؤها عنده واختزنها له في نفسه في تتبعه فيقول له في معرض التوبيخ ألم تقل كذا في يوم كذا ألم تفعل كذا في يوم كذا ثم إذا عدد عليه ما كان اختزنه يقول له وهذا كله يدل على قلة الدين أو عدم الدين وأنا كنت أرى منك هذا كله وأقول لعل له في هذا وجهاد ولا وجه لك فيه في الشرع وهذا خلاف الحق فيسمعه ما يكره وما كان غافلا عنه وما كان يعلم أن هذا يحصي عليه أنفاسه ويرجع عليه من أكبر الأعداء وأصل هذا كله من التتبع لمثالبه واختزانه إياها في خزانة نفسه وذلك لسوء الطبع ودناءة الأصل والفرع وهذا يوجد في الأصحاب والأصدقاء كثيرا وقد قيل في ذلك احذر عدوك مرة * واحذر صديقك ألف مرة فلربما هجر الصديق * فكان أعرف بالمضرة وهذا كله وبال يعود على قائله وإن كان حقا ومن أمراض الأقوال السؤال عن أحوال الناس وما يفعلون ولم جاء فلان ولم مشى فلان والسؤال عن كل ما لا يعني وسؤاله عن أهله ما فعلوا في غيبته دواه التأسي برسول الله ص في كونه ما أتى أهله من سفره ليلا ونهيه أصحابه عن ذلك حتى لا يفجأهم فيرى منهزما يكره والاستئذان من هذا الباب إبقاء للستر فإنه قد علم إن لكل أحد هنات وأيضا فما كل ما يعمله الإنسان وإن كان خيرا يحب أن يعلمه منه كل أحد فإذا ألح هذا السائل عن العلم به أضر بالمسؤول حيث جعله ينطق بما لا يريده أو يكذب فإن لم ينطق أثر في نفس السائل حزازة ويقول لو كنت عنده بمكانة ما ستر عني ما سألته عنه فنقص من خلوص مودته التي كانت له في نفسه ولو حصلت له تهمة في نفسه تؤديه إلى مثل هذا الفعل فليس له ذلك شرعا ولا عقلا ولا مروءة وهذا باب قل أن يقع إلا من خبيث الباطن لا دين له سيئ السريرة قال ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن أمراض الأقوال الامتنان والتحدث بما يفعله من الخير مع الشخص على طريق المن والمن الأذى دواؤه لما كان يسوءه ذلك ويحبط أجر رب النعمة فإن الله تعالى قد أبطل ذلك العمل بقوله لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأي أذى أعظم من المن فإنه أذى نفسي ودواؤه إنه لا يرى أوصل إليه مما كان في يديه إلا ما هو له في علم الله وإن ذلك الخير إنما كان أمانة بيده ما كان له لكنه لم يكن يعرف صاحبها فلما أخرجها بالعطاء لمن عين الله في نفس الأمر حينئذ يعرف صاحب تلك الأمانة فشكر الله على أدائها ومن أعطى هذا النظر فلا تصح منه منة أصلا ومن أمراض الأقوال أيضا أن يفعل الرجل الخير مع بعض أولاده لأمر في نفسه وبعض أولاده ما فعل معهم ذلك الخير فيقول له قائل بحضور من لم يفعل معه ذلك من أولاده لم لم تفعل مثل ذلك مع هذا الولد الآخر فهذا من فضول الكلام حيث قاله بحضور ولده ويثمر في نفس الولد عداوة لأبيه ولا يقع مثل هذا إلا من جاهل كثير الفضول فإنها كلمة شيطانية وليس لها دواء بعد وقوعها وأما قبل وقوعها فداؤها أن ينظر في قول النبي ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن أمراض الأقوال أيضا أن يقول الإنسان أنا أقول الحق ولا أبالي عز على السامع ذلك أو لم يعز عليه من غير أن ينظر إلى فضول القول ومواطنه ثم يقول
(٣١٤)