أثبته بنسبة ما فهو من حيث تلك النسبة ثابت ومن هذه النسبة الأخرى منفي وإذا تحققت هذا فإن شئت قلت هو عن عدم وإن شئت قلت هو عن وجود بعد علمك بالأمر على ما هو عليه ولولا قوة الخيال ما ظهر من هذا الذي أظهرناه لكم شئ فإنه أوسع الكائنات وأكمل الموجودات ويقبل الصور الروحانيات وهو التشكل في الصور المختلفة من الاستحالة الكائنة والاستحالة منها ما فيها سرعة كاستحالة الأرواح صورا جسدية والمعاني صورا جسدية تظهر في كون هذا العماء وثم استحالات فيها بطء كاستحالة الماء هواء والهواء نارا والنطفة إنسانا والعناصر نباتا وحيوانا فهذه كلها وإن كانت استحالات فما لها سرعة استحالة الصور في القوة المتخيلة في الإنسان وهو الخيال المتصل ولا في استحالات صور الأرواح في صور الأجسام أجسادا كالملائكة في صور البشر فإن السرعة هنالك أقوى وكذا زوالها أسرع من استحالات الأجسام بعد الموت إلى ما تستحيل إليه ثم إذا فهمت هذا الأصل علمت أن الحق هو الناطق والمحرك والمسكن والموجد والمذهب فتعلم أن جميع الصور بما ينسب إليها مما هو له خيال منصوب وأن حقيقة الوجود له تعالى ألا ترى إلى واضع خيال الستارة ما وضعه إلا ليتحقق الناظر فيه علم ما هو أمر الوجود عليه فيرى صورا متعددة حركاتها وتصرفاتها وأحكامها لعين واحدة ليس لها من ذلك شئ والموجد لها ومحركها ومسكنها بيننا وبينه تلك الستارة المضروبة وهو الحد الفاصل بيننا وبينه به يقع التمييز فيقال فيه إله ويقال فينا عبيد وعالم أي لفظ شئت ثم إن هذا العماء هو عين البرزخ بين المعاني التي لا أعيان لها في الوجود وبين الأجسام النورية والطبيعة كالعلم والحركة هذا في النفوس وهذه في الأجسام فتتجسد في حضرة الخيال كالعلم في صورة اللبن وكذلك تعيين النسب وإن كانت لا عين لها لا في النفس ولا في الجسم كالثبات في الأمر نسبة إلى الثابت فيه يظهر هذا الثبات في صورة القيد المحسوس في حضرة الخيال المتصل وكالأرواح في صور الأجسام المتشكلة الظاهرة بها كجبريل في صورة دحية ومن ظهر من الملائكة في صور الذر يوم بدر هذا في الخيال المنفصل وكالعصا والحبال في صور الحيات تسعى كما قال يخيل إليه يعني إلى موسى من سحرهم أي من علمهم بما فعلوه إنها تسعى فأقاموا ذلك في حضرة الخيال فأدركها موسى مخيلة ولا يعرف أنها مخيلة بل ظن أنها مثل عصاه في الحكم ولهذا خاف فقيل له لا تخف إنك أنت الأعلى فالفرقان بين الخيال المتصل والخيال المنفصل أن المتصل يذهب بذهاب المتخيل والمنفصل حضرة ذاتية قابلة دائما للمعاني والأرواح فتجسدها بخاصيتها لا يكون غير ذلك ومن هذا الخيال المنفصل يكون الخيال المتصل والخيال المتصل على نوعين منه ما يوجد عن تخيل ومنه ما لا يوجد عن تخيل كالنائم ما هو عن تخيل ما يراه من الصور في نومه والذي يوجد عن تخيل ما يمسكه الإنسان في نفسه من مثل ما أحس به أو ما صورته القوة المصورة إنشاء لصورة لم يدركها الحس من حيث مجموعها لكن جميع آحاد المجموع لا بد أن يكون محسوسا فقد يندرج المتخيل الذي هو صورة الملك في صورة البشر وهو من الخيال المنفصل في الخيال المتصل فيرفعه في الخيال المتصل وهو خيال بينهما صورة حسية لولاها ما رفع مثالها الخيال المتصل ومن هذا الباب التجلي الإلهي في صور الاعتقادات وهذا مما يجب الايمان به خرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري وهو حديث طويل وفيه حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر فيأتيهم رب العالمين تبارك وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فيقول ما ذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم قال فيقول أنا ربكم قال فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبين ربكم آية تعرفونه بها فيقولون نعم قال فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم قال فيقولون نعم أنت ربنا الحديث فانظر نظر المنصف في هذا الخبر من تحول الحق سبحانه في الصور وهو سبحانه لا غيره فأنكر في صورة وأقربه في صورة والعين واحدة والصور مختلفة فهذا عين ما أردناه من اختلاف الصور في العماء أعني صور العالم فالصور بما هي صور هي المتخيلات والعماء الظاهرة فيه هو الخيال وفي هذا الحديث شفاء لكل صاحب علة إذا
(٣١١)