وما جاءنا من الحق ونطمع ولم يقولوا ونقطع أن يدخلنا ربنا ولم يقولوا إلهنا مع القوم ولم يقولوا مع عبادك الصالحين كما قالت الأنبياء فقال الله لهؤلاء الطائفة التي صفتهم هذه فأثابهم الله بما قالوا جنات محل شهوات النفوس فأنزلناهم حيث أنزلهم الله وقد استوفينا القول في الفرق بين المعرفة والعلم في كتاب مواقع النجوم وبينا فيه إن القائل بمقام المعرفة إذا سألته عنه أجاب بما يجيب به المخالف في مقام العلم فوقع الخلاف في التسمية لا في المعنى ثم حدث لهم في هذا المقام خلاف آخر هل الموصوف به مالك جميع المقامات أم لا والصحيح إنه ليس من شرطه التحكم وأن ملك جميع المقامات بما يعطيه من الأحوال والتصرف في العالم وإنما شرطه أن يعلم فإذا أراد التحكم نزل إلى الحال لأن التحكم للأحوال إذا علم إن نزوله غير مؤثر في مقامه ولهذا لا ينزلون إلى الحال إلا عن أمر إلهي فإذا سمع من شيخ محقق في هذا الطريق إن صاحب هذا المقام مالك جميع المقامات فإنه يريد بالعلم لا بالحال وقد يعطي الحال ولكن ما هو بشرط فإن قال أحد إنه شرط فهو مدع لا معرفة له بطريق الله ولا بأحوال الأنبياء وأكابر الأولياء ويرد عليه هذا القول فإن الكامل كلما علا في المقام نقص في الحال أعني في الدنيا وأما في الآخرة فلا كما أن المشاهدة تغني عن رؤية الأغيار كذلك المقام يذهب بالأحوال لأن الثبوت يقابل الزوال انتهى الجزء الحادي عشر ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) واعلموا أن الله تعالى لما خلق القوة المسماة عقلا وجعلها في النفس الناطقة ليقابل بها الشهوة الطبيعية إذا حكمت على النفس أن تصرفها في غير المصرف الذي عين لها الشارع فعلم الله أنه قد أودع في قوة العقل القبول لما يعطيه الحق ولما تعطيه القوة المفكرة وقد علم الله أنه جعل في القوة المفكرة التصرف في الموجودات والتحكم فيها بما يضبطه الخيال من الذي أعطته القوي الحسية ومن الذي أعطته القوة المصورة مما لم تدركه من حيث المجموع بالقوة الحسية فعلم أنه لا بد أن تحكم عليه القوة المفكرة بالتفكر في ذات موجدة وهو الله تعالى فأشفق عليها من ذلك لما علمه من قصورها عن درك ما ترومه من ذلك فخاطبها قرآنا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد يقول ما حذرناكم من النظر في ذات الله إلا رحمة بكم وشفقة عليكم لما نعلم ما تعطيه القوة المفكرة للعقل من نفي ما نثبته على ألسنة رسلي من صفاتي فتردونها بأدلتكم فتحرمون الايمان فتشقون شقاوة الأبد ثم أمر رسول الله ص أن ينهانا أن نفكر في ذات الله كما فعل بعض عباد الله فأخذوا يتكلمون في ذات الله من أهل النظر واختلفت مقالاتهم في ذات الله وكل تكلم بما اقتضاه نظره فنفى واحد عين ما أثبته الآخر فما اجتمعوا على أمر واحد في الله من حيث النظر في ذاته وعصوا الله ورسوله بما تكلموا به مما نهاهم الله عنه رحمة بهم فرغبوا عن رحمة الله وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فقالوا هو علة وقال آخرون ليس بعلة وقال آخرون ذات الحق لا تصح أن تكون جوهرا ولا عرضا ولا جسما بل عين أنيتها عين ماهيتها وإنها لا تدخل تحت شئ من المقولات العشرة وأطنبوا في ذلك وكانوا كما جاء في المثل أسمع جعجعة ولا أرى طحنا ثم جاء الشرع بنقيض ما دلت عليه العقول فجاء بالمجئ والنزول والاستواء والفرح والضحك واليد والقدم وما قد روينا في صحيح الأخبار مما هو من صفات المحدثات ثم جاء بليس كمثله شئ مع ثبوت هذه الصفات فلو استحالت كما يدل عليه العقل ما أطلقها على نفسه ولكان الخبر الصدق كذبا إذ ما بعث الله رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم ما أنزل إليهم ليفهموا وقد بين ص وبلغ وأشهد الله على أمته أنه بلغ فجهلنا النسبة بليس كمثله شئ خاصة وفهمنا معقول هذه الألفاظ الواردة وأن المعقول منها واحد بالنظر إلى الوضع فتختلف نسبتها باختلاف المنسوب إليه ما تختلف حقائقها لأن الحقائق لا تتبدل فمن وقف مع هذه الألفاظ ومعانيها وقال بعدم علم النسبة إلى الحق فهو عالم مؤمن ومن نسبها على وجه من وجوه المصارف الخارجة عن التجسيم فلا مؤمن ولا عالم فلو أنصف هذا الناظر في ذات الله ما نظر في ذات الله وآمن بما جاء من عند الله إذ قد دله دليل على صدق المخبر وهو الرسول فهذا منعني في هذا الباب من الكلام في ذات الله بما تعطيه أدلة العقول وعدلنا إلى علم ذلك بما جاء من المنقول مع نفي المماثلة في النسبة والعلم الصحيح
(٣١٩)