ونورك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك ذلك لتعلم أنك لست أنا فإنا النور بلا ظل وأنت النور الممتزج لإمكانك فإن نسبت إلى قبلتك وإن نسبت إلى العدم قبلك فأنت بين الوجود والعدم وأنت بين الخير والشر فإن أعرضت عن ظلك فقد أعرضت عن إمكانك وإذا أعرضت عن إمكانك جهلتني ولم تعرفني فإنه لا دليل لك على أني إلهك وربك وموجدك إلا إمكانك وهو شهودك ظلك وإن أعرضت عن نورك بالكلية ولم تزل مشاهدا ظلك لم تعلم أنه ضل إمكانك وتخيلت أنه ظل المحال والمحال والواجب متقابلان من جميع الوجوه فإن دعوتك لم تجبني ولم تسمعني فإنه يصمك ذلك المشهود عن دعائي فلا تنظر إلي نظرا يفنيك عن ظلك فتدعي أنك أنا فتقع في الجهل ولا تنظر إلى ظلك نظرا يفنيك عني فإنه يورثك الصمم فتجهل ما خلقتك له فكن تارة وتارة وما خلق الله لك عينين إلا لتشهدني بالواحدة وتشهد ظلك بالعين الأخرى وقد قلت لك في معرض الامتنان ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين أي بينا له الطريقين طريق النور والظل إما شاكرا وإما كفورا فإن العدم المحال ظلمة وعدم الممكن ظل لا ظلمة ولهذا في الظل راحة الوجود واعلم أن التجلي الأول الذي حصل للممكن عند ما اتصف بالوجود وانصبغ بالنور هو التجلي للأرواح النورية التي ليست لها هذه الهياكل المظلمة ولكن لها ظل إمكانها الذي لا يبرح فيها وهي وإن كانت نورا بما انصبغت به فظلها فيها لا ظهور له عليها وحكمه فيها لا يزول وهذه المرتبة كان يريد أن يكون نها رسول الله ص إذ كان يقول في دعائه اللهم اجعلني نورا ثم بعد هذا التجلي الإبداعي الذي هيم بعض الأرواح النورية تجلى تجليا لبعض هذه الأرواح المبدعة فعلم منه في هذا التجلي جميع المراتب التي تظهر عنه في عالم الأنوار والظلم واللطائف والكثائف والبسائط والمركبات والجواهر والأعراض والأزمنة والأمكنة والإضافات والكيفيات والكميات والأوضاع والفاعلات والمنفعلات إلى يوم القيامة وأنواع العالم ومبلغها مائتا ألف مرتبة وسبع آلاف مرتبة وستمائة مرتبة وقام هذا العدد من ضرب ثلاثمائة وستين في مثلها ثم أضيف إليها ثمانية وسبعون ألفا فكان المجموع ما ذكرناه وهو علم العقل الأول وعمر العالم من حين ولي النظر فيه هذا المفعول الإبداعي وما قبل ذلك فمجهول لا يعلمه إلا الله تعالى فلما علم العقل من هذا التجلي هذه المراتب وهي علومه كان من جملة ذلك انبعاث النفس الكلية عنه وهي أول مفعول انبعاثي وهي ممتزجة بين ما انفعل عنها وبين ما انفعلت عنه فالذي انفعلت عنه نور والذي انفعل عنها ظلمة وهي الطبيعة فظهر ظل النفس في ظاهرها مما يلي جانب الطبيعة لكن لم يمتد عنها ظلها كما يمتد عن الأجسام الكثيفة وانتقش فيها جميع ما للعقل من العلوم التي ذكرناها ولها وجه خاص إلى الله لا علم للعقل به فإنه سر الله الذي بينه وبين كل مخلوق لا تعرف نسبته ولا يدخل تحت عبارة ولا يقدر مخلوق على إنكار وجوده فهو المعلوم المجهول وهذا هو التجلي في الأشياء المبقي أعيانها وأما التجلي للأشياء فهو تجلى يفني أحوالا ويعطي أحوالا في المتجلي له ومن هذا التجلي توجد الأعراض والأحوال في كل ما سوى الله ثم له تجل في مجموع الأسماء فيعطي في هذا التجلي في العالم المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع وما يليق بعالم الأجسام وعالم الأرواح والحروف اللفظية والرقمية وعالم الخيال ثم له تجل آخر في أسماء الإضافة خاصة كالخالق وما أشبهه من الأسماء فيظهر في العالم التوالد والتناسل والانفعالات والاستحالات والأنساب وهذه كلها حجب على أعيان الذوات الحاملات لهذه الحجب عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحجب الموجد أعيانها في أعيان الذوات وبهذا القدر تنسب الأفعال للأسباب ولولاها لكان الكشف فلا يجهل ولكن كما قال ما يبدل القول لدي ووقوع خلاف المعلوم محال فبالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات وهو خشوع تحت سلطان التجلي فله النقيضان يمحو ويثبت ويوجد ويعدم وقد بين الله لنا ذلك بقوله تعالى فلما محلي ربه للجبل جعله دكا فنقله من حال الشموخ إلى حال الخشوع والاندكاك وقال ص في الحديث الذي صححه الكشف إن الله إذا تجلى لشئ خشع له فالله متجل على الدوام لأن التغيرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول فشأنه التجلي وشأن الموجودات التغيير بالانتقال من حال إلى حال فمنا من يعرفه ومنا من لا يعرفه فمن عرفه عبده في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال ثبت في الصحيح أن النبي ص
(٣٠٤)