بضرب من ضروب الوجود فما في العلم معدوم مطلق العدم ليس له نسبة إلى الوجود بوجه ما هذا ما لا يعقل فافهم هذا الأصل وتحققه ثم اعلم بعد هذا أن حقيقة الخيال المطلق هو المسمى بالعماء الذي هو أول ظرف قبل كينونة الحق ورد في الصحيح أنه قيل لرسول الله ص أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وإنما قال هذا من أجل إن العماء عند العرب هو السحاب الرقيق الذي تحته هواء وفوقه هواء فلما سماه بالعماء أزال ما يسبق إلى فهم العرب من ذلك فنفى عنه الهواء حتى يعلم أنه لا يشبهه من كل وجه فهو أول موصوف بكينونة الحق فيه فإن للحق على ما أخبر خمس كينونات كينونة في العماء وهو ما ذكرناه وكينونة في العرش وهو قوله الرحمن على العرش استوى وكينونة في السماء في قوله ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا وكينونة في الأرض وهو قوله وهو الله في السماوات وفي الأرض وكينونة عامة وهو مع الموجودات على مراتبها حيثما كانت كما بين ذلك في حقنا فقال وهو معكم أينما كنتم وكل هذه النسب بحسب ما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تصور بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي أن ينسب إليها من ذلك لا إله إلا هو العزيز فلا يصل أحد إلى العلم ولا إلى الظفر بحقيقته الحكيم الذي نزل لعباده في كلماته فقرب البعيد في الخطاب لحكمة أرادها تعالى ففتح الله تعالى في ذلك العماء صور كل ما سواه من العالم إلا إن ذلك العماء هو الخيال المحقق ألا تراه يقبل صور الكائنات كلها ويصور ما ليس بكائن هذا لاتساعه فهو عين العماء لا غيره وفيه ظهرت جميع الموجودات وهو المعبر عنه بظاهر الحق في قوله هو الأول والآخر والظاهر والباطن ولهذا في الخيال المتصل يتخيل من لا معرفة له بما ينبغي لجلال الله بتصوره فإذا تحكم عليه الخيال المتصل فما ظنك بالخيال المطلق الذي هو كينونة الحق فيه وهو العماء فمن تلك القوة ضبطه الخيال المتصل ثم جاء الشرع في أماكن يقرر ما ضبطه الخيال المتصل من كينونة الحق في قبلة المصلي وفي مواجهة المصلي إياه فقبله الخيال المتصل وهو من بعض وجوه الخيال المطلق الذي هو الحضرة الجامعة والمرتبة الشاملة وانتشاء هذا العماء من نفس الرحمن من كونه إلها لا من كونه رحمانا فقط فجميع الموجودات ظهر في العماء بكن أو باليد الإلهية أو باليدين إلا العماء فظهوره بالنفس خاصة ولولا ما ورد في الشرع النفس ما أطلقناه مع علمنا به وكان أصل ذلك حكم الحب والحب له الحركة في المحب والنفس حركة شوقية لمن تعشق به وتعلق له في ذلك التنفس لذة وقد قال تعالى كما ورد كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فبهذا الحب وقع التنفس فظهر النفس فكان العماء فلهذا أوقع عليه اسم العماء الشارع لأن العماء الذي هو السحاب يتولد من الأبخرة وهي نفس العناصر لما فيه من حكم الحرارة فلهذا الالتفات سماه عماء ثم نفى عنه الهواء الذي يحيط به كما يحيط بجسم السحاب ويصرفه الهواء حيث شاء فنفى أن يكون هذا العماء يتحكم فيه غيره إذ هو أقرب الموجودات إلى الله الكائن عن نفسه فلما عمر هذا العماء الخلأ كله الذي هو مكان العالم أو ظرفه إذ لو انعدم العالم لتبين الخلأ وهو امتداد متوهم في غير جسم فهذا العماء هو الحق المخلوق به كل شئ وسمي الحق لأنه عين النفس والنفس مبطون في المتنفس هكذا يعقل فالنفس له حكم الباطن فإذا ظهر له حكم الظاهر فهو الأول في الباطن والآخر في الظاهر وهو بكل شئ عليم فإنه فيه ظهر كل شئ مسمى من معدوم يمكن وجود عينه ومن معدوم يوجد عينه ثم ظهر في عين هذا العماء أرواح الملائكة المهيمة وما هم ملائكة بل هم أرواح مطهرة ثم ما زال يظهر فيه صور أجناس العالم شيئا بعد شئ وطورا بعد طور إلى أن كمل من حيث أجناسه فلما كمل بقيت الأشخاص من هذه الأجناس تتكون دائما تكوين استحالة من وجود إلى وجود لا من عدم إلى وجود فخلق آدم من تراب وخلق بني آدم من نطفة وهي الماء المهين ثم خلق النطفة علقة فلهذا قلنا في الأشخاص إنها مخلوقة من وجود لا من عدم فإن الأصل على هذا كان وهو العماء من النفس وهو وجود وهو عين الحق المخلوق به وأجناس العالم مخلوقون من العماء وأشخاص العالم مخلوقون من العماء أيضا ومن أنواع أجناسه فما خلق شئ من عدم لا يمكن وجوده بل ظهر في أعيان ثابتة وهو قولنا في أول هذا الكتاب الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه عن عدم من حيث إنه لم يكن لها عين ظاهرة وعدمه وعدم العدم وجود أي وإن لم يكن لها عين فهذه العين من وجود ظهرت على الحقيقة فأعدمت العدم الأول الذي
(٣١٠)