حاله فهكذا صدقهم فهذا حصر الأمر فإن الإنسان لا يخلو أن يقام في قول أو فعل أو حال وما ثم رابع وكذلك صاحب القيام في حال الوجد إذا قام بوجده ثم زال عنه جلس من حينه ولا يتواجد فإن تواجد ولم يقل للحاضرين إنه متواجد فهو صاحب مرض فهذا جماع هذه المسألة وتفاريع الأقوال والأفعال والأحوال كثيرة فليحذر من الكذب في ذلك وليلزم الصدق ولا يظهر للناس إلا بما يظهر لله في الموطن الذي ينبغي فإن العلم بحكم الله في تفاصيل هذه الأمور شرط في أهل الله ولا بد من ذلك فما عبد الله من لم يعلم حكمه فإن الله ما اتخذ وليا جاهلا فهذا قد ذكرنا جماع أبواب المعرفة وفصولها التي إذا حصلها الإنسان سمي عارفا خاصة فإن زاد على هذا العلم بالله وما يجب له وما يجوز عليه وما يستحيل ويفرق بين علمه بذاته وبين علمه بكونه إلها فهذا مقام العلماء بالله لا مقام العارفين فإن المعرفة محجة وطريق والعلم حجة والعلم نعت إلهي والمعرفة نعت كياني نفسي رباني وهذا الباب للمعرفة غير أن أصحابنا من أهل الله قد أطلقوا على العلماء بالله اسم العارفين وعلى العلم بالله من طريق الذوق معرفة وحدوا هذا المقام بنتايجه ولوازمه التي تظهر عن هذه الصفة في أهلها (سئل) الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه أي هو متخلق بأخلاق الله حتى كأنه هو وما هو هو وهو هو فالعارف عند الجماعة من أشعر الهيبة نفسه والسكينة وعدم العلاقة الصارفة عنه وأن يجعل أول المعرفة لله وآخرها ما لا يتناهى ولا يدخل قلبه حق ولا باطل وأن توجب له الغيبة عن نفسه لاستيلاء ذكر الحق فلا يشهد غير الله ولا يرجع إلى غيره فهو يعيش بربه لا بقلبه وأن تكون المعرفة إذا دخلت قلبه تفسد أحواله التي كان عليها بأن تقلبها إليه تعالى لا بأن تعدمها فإنها عندهم كما قال الله تعالى عن قول بلقيس إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وعندنا ليس كذلك بل يجعلوا أعزة أهلها بالله بعد ما كانت بغير الله وذلتها لله لا لغير الله فلا حال عندهم للعارف لمحو رسومه وفناء هويته وغيبة أثره وأنه لا تصح المعرفة وفي العبد استغناء بالله وإن العارف أخرس منقطع مقتطع منقمع عاجز عن الثناء على معروفه وأنه خائف متبرم بالبقاء في هذا الهيكل وإن كان منورا لما عرفه الشارع أن في الموت لقاء الله فتنغصت عليه الحياة الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء فهو صافي العيش كدر طيب الحياة في نفس الأمر لا في نفسه قد ذهب عنه كل مخلوق وهابه كل ناظر إذا رئ ذكر الله وأنه ذو أنس بالله وأن يكون مع الله بلا فصل ولا وصل حيي في قلبه تعظيم قلبه مرآة للحق حليم محتمل فارع من الدنيا والآخرة ذو دهش وحيرة يأخذ أعماله عن الله ويرجع فيها إلى الله بطنه جائع وبدنه عار لا يأسف على شئ إذ لا يرى غير الله طيار تبكي عينه ويضحك قلبه فهو كالأرض يطأها البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شئ وكالمطر يسقى ما يحب وما لا يحب لا تمييز عنده لا يقضي وطره من شئ بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربه يضيع ماله ويقف مع ما للحق لا يشتغل عنه طرفة عين عرف ربه بربه مهدي في أحواله لا يلحظه الأغيار ولا يتكلم بغير كلام الله مستوحش من الخلق ذو فقر وذلة يورث غنى وعزة معرفته طلوع حق على الأسرار ومواصلة الأنوار حاله فوق ما يقول استوت عنده الحالات في الفتح فيفتح له على فراشه كما يفتح له في صلاته وإن اختلفت الواردات بحسب المواطن دائم الذكر ذو لوامع يسقط التمييز لا يكدره شئ ويصفو به كل شئ تضيئ له أنواع العلم فيبصر بها عجائب الغيب مستهلك في بحار التحقيق صاحب أمواج تغط فترفع وتحط صاحب وقت واستيفاء حقوق المراسم الإلهية على التمام نعته في تحوله من صفة إلى صفة دائم لا يتعمل ولا يجتلب أحيد الوقت يسع الأشياء ولا تسعه يرجو ولا يرجى رحيم مؤنس مشاهد جلال الحق وجمال الحضرة امعة مع كل وارد يصادف الأمور من غير قصد له وجود في عين فقد ذو قهر في لطف ولطف في قهر حق بلا خلق مشاهد قيام الله على كل شئ فإن عنه به باق معه به غائب عن التكوين حاضر مع المكون صاح بغيره سكران بحبه جامع للتجلي لا يفوته ما مضى بما هو فيه ثابت المواصلة محكم للعبادة في العادة مع إزالة العلل طائع بذاته قابل أمر ربه منزه عن الشبيه تجري عليه منه أحكام الشرع في عين الحقيقة ذو روح وريحان قلبه طريق مطرقة لكل سالك صاحب دليل وكشف وشهود يكرم الوارد ويتأدب مع الشاهد برئ من العلل صاحب إلقاء وتلق مضنون به مستور بولهه محبوس في الموقف ذاهب تحت القهر رجوعه سلوك وحجابه شهود سره لا يعلم به زره كلما ظهر له وجه
(٣١٦)