الحصر في قول المصنف، أفعالنا، مع أن استعماله القياس للغائب على الشاهد قرينة ظاهرة على أنه أراد بقوله أفعالنا الشاهدة مطلقا، سواء كان انسانا أو حيوانا عجما، وعلى تقدير أن يكون المراد أفعال الانسان، لأن الكلام في المكلفين فلا يقتضي الحصر أيضا، لأنه لو دل على ذلك لدل بمفهوم اللقب والضعيف، مع أن المفهوم مطلقا إنما يعتبر إذا لم يكن وجه التخصيص بالذكر ظاهرا، وقد أشرنا إلى أن تخصيص الانسان بالذكر
يجوز أن يكون لأجل أنهم هم المكلفون بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وهم المستدلون بحال الممكن على حال الواجب، ومن الأثر على المؤثر، دون الثور والحمار وغيرهما من الحيوانات العجم، وبهذا يظهر فساد قوله: ولو لم يخلق الانسان أفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة الخ وذلك لما أشرنا إليه من أن الكلام في الاستدلال الواقع من المكلفين في دار التكليف، لا استدلال الله تعالى من الحوادث على احتياجهم إلى ذاته، بل هذا لغو من الكلام، ولا استدلال الملائكة بها على الاحتياج إلى الله تعالى فإذا لم يكن في الدنيا انسان أصلا كما فرضه الناصب الهالك، فمن ذا الذي يستدل بهذا على ذلك، وبالجملة هذا ليل على انسلاخ الناصب عن الفطرة الانسانية وتمرغه (1) في المراتع الحيوانية، فليضحك قليلا وليبك كثيرا (2)، وأما ما ذكره ثانيا من أن المصنف استدل بلزوم عدم كونه تعالى صادقا على كون العبد موجد فعله، ولم يذكر الملازمة الخ ففيه أن المصنف ذكر بيان الملازمة لذلك بعيد هذا بقوله: وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح جاز أن يكذب في إخباره الخ وإذا لم يفهم الناصب
الجاهل ذلك بمجرد أن النشر وقع على ترتيب اللف فلا
____________________
(1) تمرغ: تقلب في التراب وقد يقال على مطلق على التقلب.
(2) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة. الآية. 82.