بين القدرة والعلم بتأثير القدرة وعدم تأثير العلم، وأما ما ذكره العلامة الدواني (1) في شرحه للعقائد العضدية، من أن القدرة لا تستلزم التأثير بل ما هو أعم منه ومن الكسب، وأن الفرق بينهما وبين العلم بأن القدرة تستلزم هذا، ولا يستلزمه العلم فمردود بأن هذا إنما يتم لو كان لكسب العبد معنى محصل معقول، وإنما قالوا به عن فرط التعنت والمحجوجية كما مر، وسيجئ إن شاء الله تعالى، نعم يتوجه على العدلية أن الضروري هو الفرق بتأثير القدرة في الاختيارية دون غيرها، وأما استقلال تأثير قدرة العبد فيها بالاختيار كما هو مطلوبهم، فليس بضروري، بل هو ممنوع لا بد له من دليل، لجواز أن يكون المؤثر مجموع القدرتين كما هو مذهب
أبي إسحاق الأسفرايني (2)، أو يكون المؤثر قدرة العبد فقط على سبيل الايجاب كما هو مذهب الفلاسفة، ويندفع بأن المقصود هيهنا بيان مدخلية قدرة العبد في الجملة في بعض أفعاله، ردا لمذهب
الأشاعرة، لا بيان خصوص المذهب الحق كما لا يخفى على المتأمل، على أن مذهب الفلاسفة قد ثبت بطلانه بالدليل العقلي، وبإجماع المسلمين، وما ذهب إليه الأسفرايني، مع أنه قول بلا رفيق، ولا دليل عليه، مردود أيضا بأنه إن أراد
جواز أن يكون متعلق القدرتين شيئا واحدا هو نفس الفعل، ويكون كل منهما مؤثرا مستقلا فحينئذ يلزم اجتماع المؤثرين على أثر واحد، وإن أراد
جواز أن يكون مجموعهما من حيث المجموع، مؤثرا واحدا مستقلا في التأثير دون كل واحد منهما بإنفراده فيلزم حينئذ عدم استقلال قدرته تعالى، بل احتياجه إلى معاون ومشارك تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وأما ما ذكره بقوله: وأيضا أن كل سليم العقل الخ فهو أيضا كلام صاحب المواقف، وقد دل على عدم سلامة عقله، لأنا لو سلمنا
____________________
(1) قد مرت ترجمته (ج 12 ص 40) (2) قد مرت ترجمته (ج 1 ص 101)