فلم يوجد منه، إذ الشئ ما لم يجب لم يوجد، وإن كان مستلزما فهو مذهب أهل العدل، فإن مرادهم باستقلال قدرة العبد في التأثير استلزامها لفعله، فإن العلة المستقلة تطلق على العلة المستلزمة أيضا، وهذا القدر يكفيهم فيما إذ دعوه، ولا يطابق مذهب
الأشاعرة حيث قالوا: بمحض مقارنة الفعل لقدرة العبد من عير تأثيرها فيه، وأما ما نسبه إلى المصنف، من أنه قال: إن المدح والذم لا يترتب على ما لم يكن بالاختيار فليس كذلك، وإنما قال المصنف: إن الأفعال الصادرة بغير الاختيار لا يترتب عليها مدح فاعلها وذمه، لا أنه لا يترتب مدح أو ذم على نفس ذلك الأفعال، وكلام المصنف صريح فيما ذكرنا، حيث قال: فإنه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجه المدح والذم إليه أي إلى العبد، لا إلى الفعل الصادر بغير
اختيار كما توهمه الناصب، وما تعارف بين أهل العرف واللغة إنما هو تعلق المدح أو الذم بنفس تلك الأفعال كحسن الوجه وقبحه لا بمحلهما وهو العبد فيقال: رجل حسن الوجه، أو قبيحة من باب وصف الشئ بحال متعلقة (1) ولا يقال: رجل حسن أو رجل قبيح على الاطلاق، وبالجملة هذا إنما يصحح مطلق المدح ولا يصحح المدح والذم الاستحساني والاعتراضي فتدبر، وأما ما ذكره من الترديد فقبيح جدا، لظهور أن كلام المصنف في بيان أن
الأشاعرة لا يحكمون بعقولهم بحسن هذا المدح فهم معزولون عن العقل، وهذا يكفي في غرضه من تقبيح قولهم، والتزام الناصب لذلك لا يدفع التقبيح، وإنما يشهد على قبح التزامه وقلة حيائه كما لا يخفى، على أن في الشق الأول منه اعترافا ينفي الحسن العقلي أصلا، وهو مناف لما ذكره الناصب سابقا موافقا لما اختاره متأخروا أصحابه من إثبات الحسن العقلي في الجملة، وبالنظر إلى بعض المعاني الذي استثنوه عن محل النزاع تفصيا عن الإشكال كما أشرنا إليه سابقا فتذكر.
____________________
(1) أي باعتبار المحلية.