إنما كان لمصلحة إظهار
الغضب على القوم وانزجارهم عما صدر عنهم من الغواية ولا مصلحة دينية في لطم ملك
الموت وفقاء عينه، بل كان المصلحة في تمكينه كما مر، وأما ما ذكره من كسر الألواح وقصة إهانة كتاب الله تعالى فذلك من إضافات الناصب عدو الله وعدوا أنبيائه وأوليائه كما لا يخفى، ومن أين علم أن قصد موسى من إلقاء الألواح كان إهانة كتاب الله تعالى دون ما ذكرناه من المصلحة، ولو صح قصده لذلك لكفى قدحا في عصمته سواء دعاه الحدة إلى ذلك أو غيرها، وأما قوله وكل هذه عند أهل الحق محمول على ما يعرض البشر الخ فيوجب خروج إمامه فخر الدين الرازي (1) وشيخه صاحب المواقف (2) عن أهل الحق حيث حملوا ذلك على ما حمله عليه ابن المطهر
طهر الله رمسه مما لا ينافي
طهارة الأنبياء عليهم السلام، فالعجب أن النواصب يحملون الآيات التي ظاهرها عتاب
الأنبياء عليهم السلام على ترك الأولى والأفضل على ظواهرها ويحكمون عليهم بالمعاصي والخطاء مع دلالة العقل على
وجوب تنزيههم عن ذلك، ومع وجود المحامل لظواهر تلك الآيات، ويحملون هذيانا
عمر بن الخطاب وكلماته التي ظاهرها منكر ومرتبته أقل من مراتب
الأنبياء عليهم السلام بأضعاف لا تحصى على خلاف ظاهرها ويمنعون من
جواز حلمها على ظواهرها مع أن كلامه لا محمل له ويتركون العمل بظاهره بغير تأويل واضح وتوجيه بين، وهلا ساووا بينه وبين الأنبياء الذين هم في محل التعظيم؟ وما ذاك إلا من قلة الإنصاف وشدة العصبية والاعتساف، وأما قوله: ولو لم يكن
القرآن متواترا ونقل لابن المطهر أن موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه لكان ينكر هذا الخ، فرجم بالغيب ورمي في الظلام كما لا يخفى، ومن أين علم أنه لم يكن يحمله على ما ذكرناه من المحمل الذي ارتضاه مرتضى الشيعة
____________________
(1) قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 110).
(2) قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 47).