بأن الفعل من الله تعالى والكسب من العبد لو سلم إطلاقهم الفاعل على العباد، فإنما يتجوزون به عن معنى الكسب والمحلية، ولا يريدون به معناه الحقيقي الذي قصده المصنف هيهنا، وهو الايجاد والاصدار الذي يتعارفه أهل اللسان، وأما ما ذكره من الأفعال التي يظهر صدورها عن العباد لا يستبعد العقل أن تكون صادرة في الحقيقة عن الله تعالى مقارنة لقدرتنا، فيتوجه عليه، أنه يتضمن إنكار البديهي الظاهر
المشاهد لكل أحد صدورها عن العباد، وارتكاب نسبتها إلى الله تعالى على طريقة
الرجم بالغيب، والرمي في الظلام، فكيف لا يكون مستبعدا؟ وأي دليل قطعي أو اقناعي ظني قام على خلاف
المشاهد الظاهر حتى يكون رافعا لاستبعاد العقل؟ وبهذا يظهر فساد تمثيله بالأسود فإن السواد قائم عليه بمعنى وقوعه عليه، فلا وجه لقياسه إلى الأفعال القائمة بالعباد بمعنى صدورها عنهم كالأكل والشرب كما مر بيانه، ولهذا ترى أهل العدل يحكمون بأن السواد والبياض ونحوهما من الأعراض فعل الله تعالى، والآكل والشرب والزنا والسرقة ونحوهما من فعل العبد، وأما ما ذكره من دليل
الأشاعرة فهو مع كونه مشهورا معتمدا عليه عندهم ولهذا أيضا خصه الناصب بالذكر هيهنا مردود من وجوه، أما أولا، فلأن شمول قدرته بقدرة الله تعالى، وأفعال العباد بقدرتهم، وأما ثانيا فلأنه منقوض (1) باتخاذ الولد ونحوه، فإنه ممكن في نفسه مع استحالته على الله تعالى اتفاقا، وما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذلك. وأما ثالثا، فلأنه إن أريد بشمول قدرته لجميع الممكنات تعلقها به بالذات، فهو ممنوع وغير لازم مما استدلوا به على ذلك المطلوب، بل
يجوز أن يكون تعلقها إلى بعض بالذات وإلى بعض آخر بالواسطة،
____________________
(1) وهذا من خواص التعليق، لم أجده في كتاب ولا سمعته عن أحد.
منه (قده).