تابط، محامد أقر بها الراضي والغضبان، وأوضحها الدليل والبرهان، كيس البيع رابح الشراء، حسن الاخذ والعطاء، يؤذي صدره ويمنعه النفث، ويجرح خاطره ويعوقه عن البث، لما أجاب أطاب، وتفسح في رحاب الصواب قد ألنت عريكة الدهر له، وكففت غرب الزمان عنه، يفور غيظا ويتميز حقدا ويتلظى غضبا ويزيد حنقا، قد قام بيني وبين وصلك حاجز من فعلك قد ابتذلت جديد وده، واستحللت حرام صده، حلف يمين بر شهد بها تصديقي واستيقنتها نفسي، قد ترامت به البلدان والاسفار، ونبت عنه الأوطان والأوطار وضاقت به الأعطان والأقطار، تركت قلبه طافحا بوجده، ودمعه سافحا على خده، قد امرته ان يجعل رأيك سراجه، ورسمك منهاجه، وقد شربت وشلا من وده. ولبست سملا من عهده، لأكشفنه لكل ليل بارد ونهار واقد، اكفف عن لحم يكسبك بشما وفعل يعقبك ندما، مستثقل من كراه، ثمل من عناه. لست غفلا عن الدهر فتنكر نوائبه ولا مطيقا له فتدفع مصائبه، قد تناسخت الأيام قواه، وشذبت الحوادث هواه، تبدي وجه المطابق والموافق، وتخفي نظر المسارق والمنافق، لو أن البرق فطنته والريح جنبته والسد سوره لتغشاه حسي واستخرجه طلبي، ولما خذلته أنصاره وقطعته أرحامه وقعدت عنه أشياعه أوليته من حمايتي عضدا ومن عنايتي مددا، وجدته أمد يدا من باعه وابسط قعودا من قيامه، مكن موضع رجلك قبل مشيك، وتأمل عاقبة فعلك قبل سعيك، عصارة لؤم في قرارة خبث، غصن مهصور بالموت معصور بالتراب، قد خفف همه بالشكوى وحل حزنه بالبكا، كما حذيت النعل بالنعل وقد الشراك على المثل. يعدل عن النص إلى الخرص وعن الحس إلى الهجس، في حكمه صارم فصل، وفي يده خادم عدل سديد المذاهب سعيد المناقب نجيح المطالب، دلاه في إقامة ممهدة الحشايا وحركة وطيئة المطايا، دفعه إلى شفير واطلعه على حقير، استدعى حضوري خاليا، واستدنى مجلسي مكرما، واستوفى مقالي مصغيا، وأعطاني معروفه مسمحا ونزل على مسألتي مسهلا، وقضى حاجتي مجملا، وصرفني بالنجاح عجلا، طيب المغرس زاكي المنبت نضير المنشأ رفيع الفرع لذيذ الثمر، متقلب بين استقبال شباب واستقلال حال وشرخ قصف وفتاء ظرف، وجدت فيه مصطنعا وبه مستمتعا، قد وفر همه على مطعم يجوده ومرقد يمهده انا اتذمهم من استئصال مثلك، واهب جرمك لفضلك، من ضاف الأسد قراه أظفاره، ومن حرك الدهر أراه اقتداره، وجدت فيه مع علو سنه واخذ الأيام من جسمه بقية حسنة ومتعة حلوة، التصرف أسنى وأعلى والتسليم عفى وأصفى ومهما اخترت من الأمرين امرا فعنايتي تحرسك فيه ونظري يمكنك منه.
ومن منثور كلامه ما في خاص الخاص للثعالبي قال: وقع الوزير المهلبي في رقعة أبي علي الحامي اليه: قرأت هذه الرقعة التي هي أدق من السحر وارق من دموع الهجر وأطيب من الغنى بعد الفقر وأدل على فضلك من الصبح على الشمس فمرحبا بها وبكاتبها وما ذا عليه لو يكون مكانها.
وكتب إلى أبي عثمان الخالدي: وصلت القصيدة وأعجبتني براعة حسنها مع قصر رويها فان الوزن القصير على الهاجس أضيق من المجال الضنك على الفارس.
حكمه المنثورة قال الثعالبي في خاص الخاص: قال أبو محمد المهلبي الوزير من تعرض للمصاعب ثبت للمصائب وله: من حنث في ايمانه واخل بأمانته فإنما ينكث على نفسه وله لو لم يكن في تهجين رأي المفرد وتبيين عجز تدبير الأوحد الا ان الاستلقاح وهو أصل كل شئ لا يكون الا بين اثنين وأكثر الطيبات اقسام تؤلف وأصناف تجمع لكفى بذلك ناهيا عن الاستبداد وامرا بالاستمداد اه.
أشعاره مر بعضها عند ذكر اخباره ونذكر هنا باقي ما وصل الينا منها.
الغزل في معجم الأدباء: قال الصاحب بن عباد أنشدني الأستاذ أبو محمد المهلبي لنفسه:
قال لي من أحب والبين قد جد * وفي مهجتي لهيب الحريق ما الذي في الطريق تصنع بعدي * قلت أبكي عليك طول الطريق وقال ابن خلكان وغيره كان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال يدعى الجامدار فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش فقال فيه الوزير المهلبي:
طفل يرق الماء في * وجناته ويرق عوده ويكاد من شبه العذارى * فيه ان تبدو نهوده ناطوا بمعقد خصره * سيفا ومنطقة تئوده جعلوه قائد عسكر * ضاع الرعيل ومن يقوده وكذا كان فإنه ما نجح في تلك الحركة وكانت الكرة عليهم. قال ومن شعره النادر في الرقة قوله:
الا يا منى نفسي وان كان حتفها * ومعناي في سري ومغزاي في جهري تصارمت الأجفان لما صرمتني * فما تلتقي الا على عبرة تجري وقوله كما في المعجم واليتيمة وفي خاص الخاص انها في مملوك مطرب:
يا هلالا يبدو فيزداد شوقي * وهزاز يشدو فيزداد عشقي زعم الناس ان رقك ملكي * كذب الناس أنت مالك رقي وفي معجم الأدباء قرأت بخط المحسن بن إبراهيم الصابي أنشدني والذي قال أنشدني الوزير أبو محمد المهلبي لنفسه:
إذا تكامل لي ما قد ظفرت به * من طيب مسمعة أو ظرف ندمان وقهوة لو تراها خلت رقتها * ديني وحافز من أن شئت غناني فما أبالي بما لاقى الخليفة من * بغي الخصي وعصيان ابن حمدان وقد صدق فان هؤلاء الوزراء كسائر أرباب الدولة لم يكن لهم هم الا قضاء شهواتهم ولا يبالون بشئ من أمور المسلمين كما أن من تسمى باسم الخلافة في عصرهم هو كذلك إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا وفي معجم الأدباء عن محمد بن عبيد الله بن سكرة الهاشمي من ولد المهدي العباسي أنه قال خرجت إلى الأهواز قاصدا للوزير أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي مادحا له فلما وصلت اليه أنشدته:
قفي حيث انتهيت من الصدود * ولا تتعمدي قتل العميد فقد وهواك وهو اجل حلفي * حميت نظيرتيك من الهجود