الناس فشق ذلك على معز الدولة وظنه حقا واعتل أبو علي عقيب ذلك ومات فاعتقد معز الدولة ان أبا محمد قتله لما عامله به واقبل عليه يلومه ويحلف له انه يقيده به فلم يلتفت أبو محمد إلى ذلك وبادر إلى دار أبي علي وقبض على خادم له صغير كان يختصه وثيق به ومناه ووعده فدله على دفين كان لأبي علي في الدار فاستخرج منه عدة قماقم فيها نيف وتسعون ألف دينار وحملها إلى معز الدولة وقال له هذا قدر أمانة خازنك الذي ظننت اني قتلته باليسير الذي اخذته لك منه وما فيه درهم من ماله وانما اقترضه من أولادك وحرمك وغلمانك وشنع عليك ثم تتبع أسبابه واخذ منهم تمام مائتي ألف دينار وقدر أبو محمد ان معز الدولة يمكنه من الحاشية الباقين ويعفيه من الخروج فلم يفعل وجد به جدا شديدا في الانحدار فانحدر في جمادى الآخرة من سنة 352 وتمادت أيامه بالبصرة للتأهب والاستعداد وامتنع العسكر المجرد من ركوب البحر فبلغ معز الدولة ذلك فاتهمه بأنه بعث العسكر على الشغب فكاتبه بالجد والإنكار عليه في توقفه وإلزام المسير ووجد أعداؤه طريقا للطعن عليه واغتنموا تنكر معز الدولة عليه وأقاموا في نفسه انه انحدر من مدينة السلام وهو لا يعتقد العود إليها وانه سيغلب على البصرة كما تغلب البريديون وان العسكر الذي معه والعشائر هناك على طاعة له وعظموا عنده أمواله فتدوخ معز الدولة بأقاويلهم وعرف أبو محمد ذلك فاطلق لسانه فيهم وخرق الستر بينه وبينهم وتطابقت الجماعة في المشورة على معز الدولة بالقبض عليه والاعتياض من أمواله عما يقدر حصوله من عمان وجعلوه على ثقة من أنهم يسدون مسده فمال إلى قولهم وكتب إلى أبي محمد يعفيه من الاتمام إلى عمان ورسم له الانكفاء إلى مدينة السلام وعلم أبو محمد بالحال ووطن نفسه على الصبر وركوب أصعب المراكب فيه وان يدخل فيما دخل فيه القوم ويتولى هو مصادرة نفسه وأصحابه وخصومه وأعدائه وكان مليا بذلك فهجمت عليه علته التي مات منها وتردد بين إفاقة ونكسة إلى أن وردت الكتب باليأس منه فانفذ معز الدولة حينئذ أحد ثقاته على ظاهر العيادة له وباطن الاستظهار على ماله وحاشيته فألفاه في طريقه محمولا في محفة كبيرة مملوءة بالفرش الوثيرة ومعه فيها من يخدمه ويعلله ويتناوب في حملها جماعة من الحمالين فلما انتهى إلى زاوطا قضى نحبه ومضى لسبيله وسقط الطائر بمدينة السلام ذلك فصودرت الجماعة ووقع السرف في الاستقصاء عليهم فلم يظهر لأبي محمد مال صامت ولا ذخيرة باطنة وبانت لمعز الدولة نصيحته وبطلان التكثيرات عليه وقد كان يصل اليه من حقوق الرقاب في ضياعه وما يأخذه من اقطاعه ويستثني به على عماله مال كثير يستوفيه جهرا من غير أن توقع فيه أمانة ويصرف جميعه في مؤونته ونفقاته وصلاته وهباته وإلى هدايا جليلة كان يتكلفها لمعز الدولة في أيام النواريز والمهاريج وعطف معز الدولة على الجماعة يطالبهم بالضمانات التي ضمنوها فاحتجوا بوفاته ووعدوا بالبحث عن ودائعه وتدافعت الأيام واندرج الامر فكان الذي صح من مال أبي محمد ومال حرمه وأولاده وأسبابه خمسة آلاف ألف درهم فيها الصامت والناطق والباطن وأثمان الغلات وارتفاع الأملاك والأموال وأموال جماعة من التجار اخذت بالتأويلات وكانت وفاته سببا لصيانته عن عاجل ابتذالهم له وصيانتهم عن آجل بلواهم به وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ووفاته في يوم السبت لثلاث ليال بقين من شعبان سنة 352 وفي معجم البلدان أيضا: قال أبو علي التنوخي كنت في سنة 352 ببغداد فحضر أول يوم من شهر رمضان فاصطحبت انا وأبو الفتح عبد الواحد بن أبي علي الحسين بن هارون الكاتب في دار أبي الغنائم الفضل ابن الوزير أبي محمد المهلبي لتهنئته بالشهر عند توجه أبيه إلى عمان وبلغ أبو محمد إلى موضع من انهار البصرة يعرف بعلي آباذ ففترت نيته عن الخروج إلى عمان واستوحش معز الدولة منه وفسد رأيه فيه واعتل المهلبي هناك ثم امره معز الدولة بالرجوع عن علي آباذ وان لا يتجاوزه وقد اشتدت علته والناس بين مرجف بأنه يقبض عليه إذا حصل بواسط أو عند دخوله إلى بغداد وقوم يرجفون بوفاته وخليفته إذ ذاك على الوزارة ببغداد أبو الفضل العباس بن الحسين بن عبد الله وأبو الفرج محمد بن العباس بن الحسين فجئنا إلى أبي الغنائم ودخلنا اليه وهو جالس في عرضي داره التي كانت لأبيه على دجلة على الصراة عند شباك على دجلة وهو في دست كبير عال جالس وبين يديه الناس على طبقاتهم فهنأناه بالشهر وجلسنا وهو إذ ذاك صبي غير بالغ الا انه محصل فلم يلبث ان جاء أبو الفضل وأبو الفرج خليفتنا أبيه فدخلا اليه وهناه باشلشهر فأجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره على طرف دسته في الموضع الذي فيه فضلة المخاذ إلى الدست ما تحرك لأحدهما ولا انزعج ولا شاركاه في الدست واخذا معه في الحديث وزادت مطاولتهما وأبو الفضل يستدعي خادم الحرم فيساره فيمضي ويعود ويخاطبه سرا إلى أن جاءه بعد ساعة فساره فنهض فقال له أبو الفرج إلى أين يا سيدي فقال أهني من يجب تهنئته وأعود إليك وكان أبو الفضل زوج زينة ابنة أخت أبي الغنائم من أبيه وأمه تجني فحين دخل واطمأن قليلا وقع الصراخ وتبادر الخدم والغلمان ودعي الصبي وكان يتوقع ان يرد عليه خبر موت أبيه لأنه كان عالما بشدة علته فمسكه أبو الفرج وقال اجلس اجلس وقبض عليه وخرج أبو الفضل وقد قبض على تجني أم الصبي ووكل بها خدما وختم الأبواب ثم قال للصبي قم يا أبا الغنائم إلى مولانا يعني معز الدولة فقد طلبك وقد مات أبوك فبكى الصبي وسعى اليه وعلق بدراعته وقال يا عم الله الله في يكررها فضمه أبو الفضل اليه واستعبر وقال ليس عليك باس ولا خوف الفرج في زبزبه وجلس أبو الفضل في زبزبه واجلس الغلام بين يديه وأصعدت الزبازب تريد معز الدولة بباب الشماسية فقال أبو الفتح بن الحسين بن هارون ما رأيت مثل هذا قط ولا سمعت لعن الله الدنيا أليس الساعة كان هذا الغلام في الصدر معظما وخليفتنا أبيه بين يديه وما افترقا حتى صار بين أيديهما ذليلا حقيرا ثم جرى من المصادرات على أهله وحاشيته ما لم يجر على أحد اه وفيما مضى من اخبار هذا الوزير وهذا الملك وغيرهما ما فيه معتبر بل هو عبرة العبر. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 352 في هذه السنة سار الوزير أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة في جمادى الآخرة في جيش كثيف إلى عمان ليفتحها فلما بلغ البحر اعتل واشتدت علته فأعيد إلى بغداد فمات في الطريق في شعبان وحمل تابوته إلى بغداد فدفن بها وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وقبض على أهله وأصحابه وحبسهم فاستعظم الناس ذلك واستقبحوه وكانت مدة وزارته 13 سنة و 3 أشهر ونظر في الأمور بعدها أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس من غير تسمية لأحدهما بوزارة اه.
نثره ما اخرج في اليتيمة من فصوله القصار:
القلب لا يملك بالمخاتلة، ولا يدرك بالمجادلة، له انعام كثير الشهود، وإفضال غزير المدود، لم يعلم في اي حتف تورط، واي شئ