جدي أبو إسحاق الصابي قال صاع أبو محمد دواة ومرفعا وحلاهما حلية كثيرة مشرقة وكانت ذراعا وكسرا في عرض شبر وكذلك كانت آلاته عظاما حتى أن مخاد دسته مثل مساند الدمسوت إلى ما يجري هذا المجرى من آلات الاستعمال وقدمت الدواة بين يديه في مرفعها وأبو احمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي قائم وانا إلى جانبه فتذاكرنا سرا حسن الدواة وجلالتها وعظمها ثم قال لي ما كان أحوجني إليها لأبيعها واتسع بثمنها قلت واي شئ يعمل الوزير قال يدخل في حرامه وسمع أبو محمد ما جرى بيننا بالاصغاء منه الينا وذهب ذلك علينا فاجتمعت مع أبي احمد من غد فقال لي عرفت خبر الدواة قلت لا قال جاءني البارحة رسول الوزير ومعه الدواة ومرفعها ومنديل فيه عشر قطع ثيابا حسابا وخمسة آلاف درهم وقال الوزير يقول انا عارف بأمرك في قصور المواد عنك وتضاعف الؤت عليك وأنت تعرف شغلي وانقطاعي به عن كل حق يلزمني وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننته من استحسانك إياها اليوم عند مشاهدتك لها وحملت معها ما تجدد به كسوتك وتصرفه في بعض نفقتك وانصرف الرسول وبقيت متحيرا متعجبا من اتفاق ما تجارينا به أمس وحدوث هذا على اثره وتقدم أبو محمد بصياغة دواة أخرى على شكلها ومرفع مثلها مرفعها فصيغت في أقرب مدة ودخلنا إلى مجلسه وقد فرع منها وتركت بين يديه وهو يوقع منها ونظر أبو محمد إلي والى أبي احمد ونحن نلحظها فقال هيه من منكما يريدها بشرط الاعفاء من الدخول فخجلنا وعلمنا انه كان قد سمع قولنا وقلنا بل يمتع الله مولانا وسيدنا الوزير بها ويبقيه حتى يهب ألفا مثلها قال ياقوت بعد نقل ذلك اللهم أنت جدد الرحمة والرضوان عليه في كل ساعة بل لحظة بل لمحة وعلى كل نفس شريفة وهمة عالية انك العلي تحب معالي الأمور وأشرافها وتبغض سفاسفها اه.
عطفه على الفقراء في معجم الأدباء: تحدث أبو الحسين هلال بن المحسن قال حدث القاضي أبو بكر بن عبد الرحمن بن خزيمة قال كنت مع الوزير المهلبي بالأهواز فاتفق ان حضرت عنده في يوم من شهر رمضان والزمان صائف والحر شديد ونحن في خيش بارد فسمع صوت رجل ينادي على الناطف فقال أما تسمع أيها القاضي صوت هذا البائس في مثل هذا الوقت والشمس فوق رأسه وحرها تحت قدميه ونحن نقاسي في مكاننا هذا البارد ما نقاسيه من الحر وامر باحضاره فرأى شيخا ضعيفا عليه قميص رث وهو بغير سراويل وفي رجله تاسومة مختلقة وعلى رأسه مئزر ومعه نبيخة فيها ناطف لا تساوي خمسة دراهم فقال له ألم يكن لك أيها الشيخ في طرفي النهار مندوحة عن مثل هذا الوقت فتنفس وقال ما أهون على الراقد سهر الساهد وقال:
ما كنت بائع ناطف فيما مضى * لكن قضت لي ذاك أسباب القضا وإذا المعيل تعذرت طلباته * رام المعاش ولو على جمر الغضا فقال له الوزير أراك متأدبا فمن أين لك ذلك فقال إني أيها الوزير من أهل بيت لم يكن فيهم من صناعته ما ترى واسر اليه انه من ولد معن بن زائدة فأعطاه مائة دينار وخمسة أثواب وجعل ذلك رسما له في كل سنة اه.
مزاحه في معجم الأدباء: حدث إبراهيم بن هلال قال كان أبو محمد المهلبي يناصف العشرة أوقات خلوته ويبسطنا في المزح إلى ابعد غاية فإذا جلس للعمل كان امرءا وقورا، ومهيبا ومحذورا آخذ في الجد الذي لا يتخونه نقص ولا يتداخله ضعف فاتفق ان صعد يوما من طياره إلى داره وقد حقنه البول وما كان يعتريه من سلسه فقصد بعض الاخلية فوجده مقفلا وكذلك كانت عادته جارية في اخلية داره حفظا لها عن الابتذال فأبى ان يدعو الفراش ويحضر المفتاح فقال لي متنادرا على نفسه:
فهبك طعامك استوثقت منه * فما بال الكنيف عليه قفل فقلت لعمري انه موضع عجب وإذا وقع الاحتياط في الأصل فقد استغني عنه في الفرع فضحك وقال أوسعتنا هجاء فقلت وجدت مقالا فقال اسكت يا فاعل يا صانع قال أبو إسحاق: وأجلسني معز الدولة لأكتب بين يديه وأبو محمد المهلبي قائم فحجبني عن الشمس فقال كيف ترى هذا الظل فقلت ثخين فقال وا عجبا أحسن وتسئ وضحك اه.
السرف والبذخ في معجم الأدباء: حدث القاضي أبو علي التنوخي قال شاهدت أبا محمد المهلبي قد ابتيع له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار فرش به مجالس وطرحه في بركة عظيمة كانت في داره ولها فوارات عجيبة يطرح الورد في مائها وينفضه وبعد شربه عليه وبلوغه ما أراد منه انهبه اه فانظر إلى فساد الزمان وأهله: المهلبي يبتاع له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار لا لشئ فيه فائدة الا اللهو ومعصية الله بالشرب عليه وربما يكون في المملكة أو في جملة من اخذت منه هذه الألف الدينار من لا يقدر على القوت:
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم وفي فوات الوفيات: كان من ظرف الوزير المهلبي انه إذا أراد أكل شئ من ارز بلبن وهريس وحلوى رقيق وقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو من ثلاثين ملعقة زجاجا مجرورا وإلى جانبه الأيسر غلام فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه ويأكل بها لقمة واحدة ثم يدفعها إلى الغلام الذي على يساره لئلا يعيد الملعقة إلى فمه مرة ثانية اه.
اخباره مع أبي الفرج الأصبهاني في فوات الوفيات: كان أبو الفرج الأصبهاني وسخا في ثوبه ونفسه وفعله فواكل الوزير المهلبي على مائدة وقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة فندرت من فمه قطعة بلغم وقعت في وسط الصحن فقال المهلبي ارفعوا هذا وهاتوا من هذا اللون في غير هذا الصحن ولم يبن في وجهه استكراه ولا داخل أبا الفرج حياء ولا انقباض ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة والأخرى لطيفة خاصة يؤاكله عليها من يدعوه إليها وعلى صنعه ما كان يصنعه بأبي الفرج ما خلا من هجوه قال أبو الفرج:
أبعين مفتقر إليك نظرتني * فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم انا الملوم لأنني * أنزلت آمالي بغير الخالق قال ويروى ان هذين البيتين للمتنبي رواهما له الكندي اه.