اخباره مع أخيه سيف الدولة كان ناصر الدولة أسن من سيف الدولة ولكن سيف الدولة كان ابعد صيتا وارفع منزلة ومات سيف الدولة في حياة أخيه ناصر الدولة قبله بسنتين لان سيف الدولة مات سنة 356 وناصر الدولة سنة 358. وفي أعلام النبلاء : قال في المختار من الكواكب المضية ان ناصر الدولة أكبر سنا من سيف الدولة واقدم منزلة عند الخلفاء وكان سيف الدولة كثير التأدب معه وجرت بينهما يوما وحشة فكتب اليه سيف الدولة:
لست أجفو وان جفوت ولا أترك * حقا علي في كل حال انما أنت والد والأب الجافي * يجازى بالصبر والاحتمال وقال الثعالبي أنشدني غير واحد لسيف الدولة في أخيه ناصر الدولة أبي محمد:
رضيت لك العليا وقد كنت أهلها * وقلت لهم بيني وبين أخي فرق ولم يك بي عنها نكول وانما * تجافيت عن حقي فتم لك الحق ولا بد لي من أن أكون مصليا * إذ كنت ارضى ان يكون لك السبق وقال ابن الأثير في حوادث سنة 347 انه لما هرب ناصر الدولة من معز الدولة سار إلى أخيه سيف الدولة بحلب فلما وصل خرج اليه ولقيه وبالغ في اكرامه وخدمه بنفسه حتى أنه نزع خفه بيديه ثم راسل معز الدولة وأصلح الحال كما ذكرناه في أخبار ناصر الدولة مع معز الدولة وهذا يدل على سمو اخلاق سيف الدولة وفي تاريخ اليافعي المسمى بمرآة الجنان: كان اخوه سيف الدولة يتأدب معه لسنه ومنزلته عند الخلفاء وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة.
قبض ابن ناصر الدولة عليه ووفاته فلما توفي سيف الدولة حزن عليه ناصر الدولة وتغيرت أحواله وضعف عقله فبادره ولده أبو تغلب الغضنفر عمدة الدولة فحبسه في حصن السلامة ومنعه من التصرف وقام بالمملكة ولم يزل ناصر الدولة معتقلا إلى أن مات اه. وفي شذرات الذهب نقلا عن العبر نحوه وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 356 فيها قبض أبو تغلب بن ناصر الدولة على أبيه وحبسه في القلعة لأنه كان قد كبر وساءت أخلاقه وضيق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهم للمصلحة فضجروا منه وكان فيما خالفهم فيه انه لما مات معز الدولة عزم أولاده على قصد العراق واخذه من بختيار فنهاهم وقال لهم ان معز الدولة قد خلف مالا يستظهر به ابنه عليكم فاصبروا حتى يتفرق ما عنده من المال ثم اقصدوا وفرقوا الأموال فإنكم تظفرون به لا محالة فوثب عليه أبو تغلب فقبضه ورفعه إلى القلعة ووكل به من يخدمه ويقوم بحاجاته وما يحتاج اليه فخالفه بعض اخوته وانتشر امرهم وصار قصاراهم حفظ ما في أيديهم واحتاج أبو تغلب إلى مداراة عز الدولة بختيار وتجديد ضمان البلاد ليحتج به على اخوته اه. وهذه ثمرة سوء التدبير ومخالفة كبير السن والاخذ بالرأي الفطير ومن أين يمكنهم اخذ بغداد وعضد الدولة وأبوه لهم بالمرصاد وهم أقوى منهم واثقب رأيا قال ابن الأثير وكان أبو تغلب وأبو البركات وأختهما جميلة أولاد ناصر الدولة من زوجته فاطمة بنت احمد الكردية وكانت مالكة امر ناصر الدولة وكان قد اقطع ولده حمدان مدينة الرحبة وماردين وغيرهما فاتفقت فاطمة مع ابنها أبي تغلب وقبضوا ناصر الدولة فابتدأ ناصر الدولة يدبر في القبض عليهم فكاتب ابنه حمدان يستدعيه ليتقوى به فظفر أولاده بالكتاب فخافوا أباهم وحملهم خوفه على نقله إلى قلعة كواشي وعاش ناصر الدولة شهورا ومات في ربيع الأول سنة 358 ودفن بتل توبة شرقي الموصل اه. وكان ذلك سبب الخلاف والحرب بينهم كما ذكر في تراجمهم وفي ذلك عبرة توجب الحذر من تفضيل بعض الأولاد لئلا يتحاسدوا وترشد إلى أن أصل البلاء من النساء.
مدائحه للسري الرفا الموصلي فيه عدة مدائح منها قوله من قصيدة:
ما ضر وسني المقلتين لو أنها * ردت على الصب الرقاد الشاردا سفرت له فأرته بدرا طالعا * وتمايلت فأرته غصنا مائدا وتبسمت فجلت له عن واضح * متألق يجلو الظلام الراكدا حتى إذا وقفت لتوديع النوى * في موقف يدني الجوى المتباعدا نثرت رياح الشوق في وجناتها * من نرجس فوق الخدود فرائدا لحظت ربيع ربيعنا آمالنا * فغدت ركائبنا اليه قواصدا يحملن للحسن بن عبد الله في * حر الحديث ماثرا ومحامدا بدع إذا انتظم الثناء عقودها * كانت لأعناق الملوك قلائدا قل للأمير أبي محمد الذي * أضحى له المجد المؤثل حامدا اما الوفود فإنهم قد عاينوا * قبل الربيع بك الربيع الوافدا يغشون من شرق البلاد وغربها * بالموصل الزهراء أروع ماجدا خشعت له ان بان عنها صادرا * وتبسمت لما اتاها واردا فكأنما حل الربيع ربوعها * فكسا السهولة والحزون مجاسدا اجرت يداه بها الندى فكأنما * اجرى بساحتها الفرات الباردا ملك إذا ما كان بادئ نعمة * ألفيته عجلا إليها عائدا متفرد من رأيه بعزائم * لو انهن طلعن كن فراقدا وخلائق كالروض في رأد الضحى * تدني اليه أقاصيا وأباعدا يستنصرون على الزمان إذا اعتدى * من لا يزال على الزمان مساعدا جذلان ليس عن المكارم صابرا * يقظان ليس عن الكريهة حائدا خلق يسر الناظرين ومنطق * ابدا يفيد السامعين فوائدا ان أصبحت تزهى بك الدنيا فقد * أصبحت للدنيا شهابا واقدا وبسطت آمال العفاة بها فقد * حمدوا نداك مصادرا ومواردا ولبست مجدك بالصوارم والقنا * والنجم ليس تراه الا صاعدا أدركت ما حاولت منه وادعا * فعلوت من يرجو لحاقك جاهدا وغدوت ركنا في الخطوب لتغلب * ويدا لها في المكرمات وساعدا وقال السري الرفا أيضا فيه وقد نجا من سم دس اليه في الشراب:
صنائع الله لا نحصي لها عددا * فنحمد الله حمدا دائما ابدا كفت يد الدهر إذ مدت إلى ملك * ما زال يبسط بالجدوى إلي يدا سلامة لبس المجد السرور بها * من بعد ما حشيت احشاؤه كمدا قل للعدو الذي اخفى عداوته * وجاء يهدي اليه الحتف مجتهدا لو ساعدتك الليالي لم تدع وزرا * للمكرمات ولم تترك لها عضدا سم الشراب ليدني الحتف من أسد * إذ لم ينل بظباه الصارم الأسدا فنال منه كما نال النبي وقد * أخفوا له في الشواء الغدر والحسدا يفدي الأمير المرجى معشر عجزوا * عن عقد ما حل أو عن حل ما عقدا هي السعود التي كنا نؤملها * ردت صروف الليالي عيشة رغدا تجددت لك أثواب الحياة بها * فالبس برغم العدا أثوابها الجددا وقال السري الرفا لناصر الدولة وقد عزم على المسير إلى العراق: