وكلامه هذا لا يخلو عن مناقشات من جهات.
الأولى: ما ذكره من أن حجية القطع ذاتية. فإنه ينافي ما تقدم منه من أنها ببناء العقلاء واعتبارهم.
الثانية: ما ذكره من أن حجية الظاهر جعلية انتزاعية. فإنه انما يتم لو كان بناؤهم رأسا على نفس الاحتجاج كي يقال إنه ينتزع منه كون الشئ بنحو يصح الاحتجاج فيه الذي هو معنى الحجية، وليس الامر كذلك، بل ليس بناؤهم الا على صحة الاحتجاج وانه للمولى الاحتجاج بالظاهر على العبد، فمفهوم الحجية - وهو كون الشئ بنحو يصح الاحتجاج به - مجعول بنفسه في باب الظواهر.
الثالثة: ان حجية الظاهر لدى العقلاء وهكذا خبر الثقة في قضاياهم العقلائية - في الغالب - من باب الاطمئنان وحصول الجزم بالمراد بحيث لا يتأتى في أذهانهم احتمال الخلاف أو لا يرونه عقلائيا. فإذا أخبرنا الثقة بمجئ زيد في مقام يكون بيان مراد، فقال: " جاء زيد " لا نرى ان مقصوده من كلامه سوى مجئ زيد ويحصل لنا الجزم بمراده من دون التفات إلى جعل حجية الظاهر ونحو ذلك. كما اننا نجزم بمجئ زيد من طريق اخباره ويحصل لنا الاطمئنان بذلك.
والذي نراه في حجية الاطمئنان انها على حد حجية العلم القطعي، بمعنى ان الملاك الذي يتبع به العقل أو العقلاء القطع بعينه هو الملاك الذي يتبع به الاطمئنان.
نعم يختلف الاطمئنان عن القطع في جواز ردع الشارع عنه لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري معه: فلا يلزم التناقض اللازم في ردعه عن العمل بالقطع.
وبالجملة: فلا نرى فرقا ظاهرا بين حجية الظاهر وحجية القطع في مقام لزوم الاتباع والجري على طبقه.
الرابعة: ان مفهوم الحجية مساوق للمنجزية والمعذرية، إذ معنى الحجية