ومن هنا يظهر أن جعل الطريقية - بناء على كون الأثر مترتبا على مطلق الوصول الحقيقي والاعتباري - مما لا محذور فيه ثبوتا.
واما اثباتا. فان لم يتصور وجه معقول غيره تعين الالتزام به، والا فيحتاج تعيينه إلى دليل، وسيجئ الكلام في ذلك انشاء الله تعالى.
واما جعل الحجية، فقد قربه المحقق الأصفهاني (رحمه الله)، ببيان إليك نصه: " واما الثالث، وهو اعتبار نفس معنى الحجية. فتوضيح القول فيه: ان الحجية مفهوما ليست الا كون الشئ بحيث يصح الاحتجاج به، وهذه الحيثية تارة تكون ذاتية غير جعلية، كما في القطع، فإنه في نفسه بحيث يصح به الاحتجاج للمولى على عبده. وأخرى تكون جعلية، اما انتزاعية كحجية الظاهر عند العرف وحجية خبر الثقة عند العقلاء، فإنه بملاحظة بنائهم العملي على اتباع الظاهر وخبر الثقة والاحتجاج بهما يصح انتزاع هذه الحيثية من الظاهر والخبر. واما اعتبارية كقوله (عليه السلام): " حجتي عليكم وانا حجة الله "، فإنه جعل الحجية بالاعتبار. والوجه في تقديم هذا الوجه على سائر الوجوه مع موافقته لمفهوم الحجية، فلا داعي إلى اعتبار امر آخر غير هذا المفهوم هو: ان المولى إذا كانت له أغراض واقعية وعلى طبقها احكام مولوية وكان ايكال الامر إلى علوم العبيد موجبا لفوات أغراضه الواقعية اما لقلة علومهم أو لكثرة خطائهم، وكان ايجاب الاحتياط تصعيبا للامر منافيا للحكمة، وكان خبر الثقة غالب المطابقة، فلا محالة يعتبر الخبر بحيث يصح الاحتجاج به، وكل تكليف قام عليه ما يصح الاحتجاج به اعتبارا من المولى كان مخالفته خروجا عن زي الرقية ورسم العبودية، وهو ظلم على المولى والظلم مما يذم عليه فاعله. ولا حاجة بعد تلك المقدمات إلى اعتبار الخبر وصولا واحرازا، إذ لو لم تكن تلك المقدمات لم يجد اعتبار الوصول " (1).