بحيث يكون بعض المعاني متولدا من بعض آخر. وتفصيل ذلك هو انه لا اشكال في أن معنى الاسم المصدري متولد عن المعنى المصدري، ومن هنا قيل في تعريف اسم المصدر: بأنه ما حصل من المصدر. والسر في ذلك: هو ان اسم المصدر عبارة عن نفس الحدث والعرض كما تقدم، ومن المعلوم: ان تحقق العرض انما هو لمكان انتسابه إلى محله، إذ لا وجود له مع قطع النظر عن الانتساب، فلا بد ان يحصل الغسل (بالفتح) من الشخص حتى يتحقق الغسل (بالضم) وذلك واضح.
واما المصدر فقد اختلف في تقدم معناه على معنى الفعل الماضي أو تأخره، و قد نسب إلى الكوفيين تأخره وان معناه اشتق من معنى الفعل الماضي، وذلك لان الفعل الماضي انما هو متكفل لبيان النسبة التحققية أي كون العرض متحققا في الخارج مع انتسابه إلى فاعله بنسبة تامة خبرية، فالماضي انما يدل على تحقق الحدث من فاعله وليس مفاده أزيد من ذلك وما اشتهر من أنه يدل على الزمان الماضي فهو اشتباه، بل إن فعل الماضي بمادته وهيئته لا يدل الا على تحقق الحدث من فاعله، نعم لازم الاخبار بتحققه عقلا هو سبق التحقق على الاخبار آنا ما قبل الاخبار والا لم يكن اخبارا بالتحقق، وأين هذا من أن يكون الزمان الماضي جزء مدلول الفعل الماضي، وكيف يعقل ذلك؟ مع أن هيئة الفعل الماضي انما وضعت للدلالة على النسبة التحققية، وهي معنى حرفي، ولذا كان الفعل الماضي مبنيا الذي هو لازم المعنى الحرفي، والزمان انما يكون معنى اسميا استقلاليا، فلا يعقل ان يكون مفاد الحرف معنى اسميا.
والحاصل: ان دلالة الفعل الماضي على الزمان، اما ان يكون بمادته، واما ان يكون بهيئته. اما المادة فهي مشتركة بين الافعال والأسماء المشتقة، فليس فيها دلالة على الزمان والا كانت الأسماء المشتقة أيضا لها دلالة على الزمان، وهو ضروري البطلان. واما الهيئة: فليس مفادها الا انتساب العرض إلى محله بالنسبة التحققية، وذلك معنى حرفي لا يمكن ان يدل على الزمان الذي هو معنى اسمى، فإذا كان مفاد الفعل الماضي هو تحقق العرض منتسبا إلى محله، فهذا أول نسبة يتحقق بين العرض والمحل، لأنه واقع في رتبة الصدور والتحقق، وقبل ذلك لا تكون الا