الحكم بالإباحة الظاهرية أي الاستراحة من كلفة العقوبة على ارتكابه ليس إلى الشرع حتى يكون قولا بغير علم، بل إلى العقل وحكمه بذلك قطعي.
كما أنه لو قال الأخباري بانه حرام ظاهرا بمعنى عدم الاستراحة من العقوبة على ارتكابه من جهة الاستناد إلى الأدلة التي أقامها على التوقف والاحتياط - لو تمت - لم يكن فتوى وقولا بغير العلم، إلا أن الكلام في تماميتها، وإذا لم تتم هذه الأدلة يصير الحكم العقلي التعليقي تنجيزيا، لأن حكمه بقبح العقاب على ارتكابه كان معلقا على عدم البيان، فإذا لم تصح هذه الأدلة للبيانية - والمفروض أنه ليس بيان آخر - فيصير حكم العقل منجزا بعدم استحقاق العقوبة على ارتكاب محتمل الحرمة التي لم يقم عليها حجة عقلية أو شرعية.
وأما الجواب عن آية التهلكة فبأن المراد من التهلكة إن كان هي العقوبة كانت قطعي العدم، وإن كان المراد غير العقوبة كانت الشبهة موضوعية، ولا يجب الاجتناب فيها بالاتفاق على إشكال فيه كما أشرنا إليه في دفع الضرر المحتمل.
وحاصله: منع كون الشبهة موضوعية أولا: ومنع الاتفاق في هذا القسم منها ثانيا، على تقدير كونها موضوعية.
وكيف كان يرد على الاستدلال بهذه الآية ما أورد على الاستدلال بوجوب دفع الضرر المحتمل، فإن النهي عن الإلقاء في التهلكة فرع وجودها، كما أن وجوب دفع الضرر المحتمل فرع احتماله، فإن كان المراد بها العقوبة فهي مقطوع العدم، وإن كان غيرها ففيه ما تقدم من كون الشبهة من هذه الجهة موضوعية، ولا يجب الاجتناب فيها بالاتفاق إلى آخر ما ذكرنا في دفع الضرر المحتمل.
وأما الجواب عن الآيات الآمرة بالتقوى فهو: أن التقوى لها مراتب، بعض مراتبها واجب كإتيان الواجبات واجتناب المحرمات، وبعض مراتبها راجح كالإتيان بالمندوبات واجتناب المكروهات، وكذلك الإتيان بمحتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة، بل المباح أيضا. والأمر بالتقوى كالأمر بالإطاعة إرشادي تابع للمرشد إليه، فإن كان واجبا فهو واجب، وإن كان راجحا فهو راجح،