كونها واجبات غيرية فإن المطلوب منها ليس إلا معرفة الله تعالى، وذلك لأن الواجب الغيري هو ما كان المطلوب منه التوصل إلى واجب آخر لا مطلق الغرض، والواجب التعييني هو ما لم يكن له بدل بخلاف الواجب التخييري، والواجب العيني هو ما لم يسقط عن بعض المكلفين بإتيان بعض آخر بخلاف الكفائي.
ولا إشكال في أن الصيغة بل مطلق ما يدل على الوجوب لا دلالة له بالوضع على شيء من هذه الأقسام، ولو كانت له دلالة لكان بالاطلاق، وهو أن في كل واحد مما يقابل الوجوب النفسي التعييني العيني تضييق لدائرة الوجوب، فإذا كان المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة فالحكمة تقتضي كون المأمور به واجبا مطلقا، وجب هناك شيء آخر أم لا؟ أتى المكلف بشيء آخر أم لا؟ أتى به مكلف آخر أم لا؟ فمن جهة الاطلاق ومقدمات الحكمة لابد من حمل الواجب على الواجب النفسي التعييني العيني.
ولو نوقش في الإطلاق من هذه الجهات يمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر وهو: أنه قد تقدم سابقا أن الصيغة بل مطلق ما يدل على الطلب إنما هو موضوع لصرف البعث والتحريك، فإن كان الغرض من البعث إلى الشيء في المبعوث إليه يصير مصداقا للطلب، وإن كان الغرض في نفس البعث يصير مصداقا للامتحان والاختبار، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأغراض الأخر التي ذكرناها ولكن إطلاق البعث يقتضي أن يكون الغرض في المبعوث إليه، كما أن طبع الحركة إلى مكان يقتضي أن يكون الغرض هو الوصول إلى ذلك المكان، ففي المقام أيضا نقول: إن إطلاق البعث إلى الشيء أن يكون الغرض في نفس المبعوث إليه لا في غيره حتى يكون واجبا غيريا أو فيه وفي غيره حتى يكون واجبا تخييريا أو في فعله وفعل غيره حتى يكون كفائيا.
هذا بناء على كون مرجع الوجوب الكفائي إلى جعل البدل كما في الواجب التخييري إلا أن البدل في الواجب التخييري في طرف المكلف به وفي الواجب الكفائي في طرف المكلف، وأما إن قلنا بأنه كالواجب العيني في الوجوب على