تلبس الذات بالمبدأ سواء كان بنحو القيام به أو الصدور منه أو الحلول فيه أو الوقوع عليه أو فيه لابد أن يكون في زمان، كما أن النطق والتكلم بأنها متلبس به أيضا لابد أن يكون في زمان، وكذا جري المشتق وحمله على الذات والحكم باتحاده معها سواء كالحمل والاتحاد صريحا، كما في مثل: زيد ضارب، أو ضمنيا كما في مثل: أكرم العالم، فإنه بمنزلة أن يقال: أكرم الشخص الذي هو عالم.
والحاصل: أن هنا أزمنة ثلاثة: زمان التلبس وزمان النطق وزمان الجري والاتحاد، فهل يقاس زمان التلبس إلى زمان النطق، فإن كان زمان التلبس ماضيا بالنسبة إليه كان محل الخلاف في كونه حقيقة أو مجازا، وإن كان حالا بالنسبة إليه كان حقيقة اتفاقا، وإن كان مستقبلا كان مجازا اتفاقا، فإذا قال: " زيد ضارب " فإن كان متلبسا بالضرب قبل حال النطق كان محل الخلاف، وإن كان متلبسا به حال النطق كان حقيقة اتفاقا، كما أنه لو كان متلبسا به بعد حال النطق يكون مجازا اتفاقا، أو يقاس زمان التلبس إلى زمان الجرى والحمل، فإن كان زمان التلبس ماضيا بالنسبة إليه كان محل الخلاف، وإن كان حالا بالنسبة إليه كان حقيقة اتفاقا، وإن كان مستقبلا بالنسبة إليه كان مجازا اتفاقا؟
والظاهر هو الأخير كما يظهر من كلمات بعض المحققين (1)، بل كثير منهم، وإن كان في عبارتهم نوع تشويش واضطراب وقصور عن إفادة المراد، لكن بعد التأمل يظهر أنه المراد، وإلا لزم أن يقال في مثل " زيد ضارب أمس أو غدا " فيما كان الأمس والغد ظرفا للجري والحمل، إن الأول محل للخلاف، والثاني مجاز بلا خلاف، والحال أن الالتزام به بعيد جدا.
نعم، لو كان الأمس أو الغد ظرفا للتلبس وكان الجري والحمل في الحال كان الأمر كما ذكر. وحينئذ فلا بد من تعيين زمان الجري والاتحاد أولا ثم مقايسة زمان التلبس به، فإن كان هناك قرينة على تعينه في الزمان الماضي أو المستقبل كما لو قال: زيد ضارب أمس أو غدا بأن يكون الأمس والغد ظرفا للجري