____________________
«دون استحقاقك بفضلك» والفضل كما تقدم، إما بمعنى الإحسان أو بمعنى الكمال والفضيلة.
أما على الأول، فيجب أن تكون عبادة العباد وطاعتهم بقدر إحسان المعبود وفضله عليهم، وهذا أمر ليس في طاقة أحد من البشر، لأنه سبحانه يستحق بكل نعمة طاعة وشكرا، ونعمه غير محصورة كما قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (1) أي لا تقدرون على تعدادها، لكثرتها، بل لعدم تناهيها. فأين يقع القليل من الكثير، والذي يتناهى من الذي لا يتناهى قال الحكيم: إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في فمك فانظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها، أما ما قبلها فكالخبز والطحن والزرع، وغير ذلك من الآلات المعينة، والأسباب والفاعلية، والقابلية، حتى تنتهي إلى الأفلاك والعناصر. وأما ما بعدها فكالقوى المعينة على الجذب والإمساك، والهضم والدفع، وكالأعضاء الحاملة لتلك القوى، وكسائر الأمور النافعة في ذلك خارجة عن البدن، أو داخلة فيه، فإنها لا تكاد تنحصر. وإذا كانت نعم الله تعالى في تناول لقمة واحدة تبلغ هذا المبلغ، فكيف فيما جاوز ذلك فتبين أن العبد - وإن اشتد على الطاعة حرصه، وطال في العبادة اجتهاده - لم يكن بالغا ما يستحقه الله سبحانه منهما بفضله ونعمته عليه. فكيف بمن تطغيه النعمة، وتبطره الدعة حتى يستعين بنعمته على معصيته، ويتكبر بإحسانه على خليقته ولذلك ختم سبحانه الآية المذكورة في سورة إبراهيم عليه السلام بقوله إن الإنسان لظلوم كفار (2) وفي سورة النحل بقوله: إن الله لغفور رحيم (3) فسجل في الأول بالظلم والكفران وفي الثاني باستحقاق النقمة لو لا الرحمة والغفران، فكأنه
أما على الأول، فيجب أن تكون عبادة العباد وطاعتهم بقدر إحسان المعبود وفضله عليهم، وهذا أمر ليس في طاقة أحد من البشر، لأنه سبحانه يستحق بكل نعمة طاعة وشكرا، ونعمه غير محصورة كما قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (1) أي لا تقدرون على تعدادها، لكثرتها، بل لعدم تناهيها. فأين يقع القليل من الكثير، والذي يتناهى من الذي لا يتناهى قال الحكيم: إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في فمك فانظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها، أما ما قبلها فكالخبز والطحن والزرع، وغير ذلك من الآلات المعينة، والأسباب والفاعلية، والقابلية، حتى تنتهي إلى الأفلاك والعناصر. وأما ما بعدها فكالقوى المعينة على الجذب والإمساك، والهضم والدفع، وكالأعضاء الحاملة لتلك القوى، وكسائر الأمور النافعة في ذلك خارجة عن البدن، أو داخلة فيه، فإنها لا تكاد تنحصر. وإذا كانت نعم الله تعالى في تناول لقمة واحدة تبلغ هذا المبلغ، فكيف فيما جاوز ذلك فتبين أن العبد - وإن اشتد على الطاعة حرصه، وطال في العبادة اجتهاده - لم يكن بالغا ما يستحقه الله سبحانه منهما بفضله ونعمته عليه. فكيف بمن تطغيه النعمة، وتبطره الدعة حتى يستعين بنعمته على معصيته، ويتكبر بإحسانه على خليقته ولذلك ختم سبحانه الآية المذكورة في سورة إبراهيم عليه السلام بقوله إن الإنسان لظلوم كفار (2) وفي سورة النحل بقوله: إن الله لغفور رحيم (3) فسجل في الأول بالظلم والكفران وفي الثاني باستحقاق النقمة لو لا الرحمة والغفران، فكأنه