وأما تخييره الحرة في البقاء تحت زوجها الحر أو فراقه إذا تزوج عليها أمة فقول فاسد لا دليل على صحته ولا نعلم أحدا قال به قبله، وأما منع الشافعي من وجد طولا لنكاح حرة كتابية من نكاح الأمة فقول لا تقتضيه الآية فسقطت هذه الأقوال كلها إذ ليست موافقة للقرآن ولا لشئ من السنن * قال أبو محمد: فالمرجوع إليه إذا اختلف السلف رضي الله عنهم هو القرآن قال عز وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وان تصبروا خير لكم) فنظرنا في مقتضى هذه الآية فوجدنا فيها حكم من لم يجد الطول وخشي العنت فأباح نكاح الأمة المؤمنة له وان الصبر خير لنا فقلنا بذلك كله فنظرنا في حكم من يجد الطول ولم يخش العنت. وفى نكاح المسلم الأمة الكتابية فلم نجده فيه أصلا لا بإباحة ولا بمنع ولا بكراهة بل هو مسكوت عنه فيها جملة فلم يجز لنا أن نحكم له منها بحكم من لا يجد الطول وخشي العنت وبحكم الأمة المؤمنة لأنه قياس على ما في الآية والقياس باطل ولم يجز لنا أن نحكم له منها بحكم مخالف لحكم من لا يجد الطول ويخشى العنت وبحكم الأمة المؤمنة لأنه ليس ذلك في الآية وكلاهما تعد لما في الآية واقحام فيها لما ليس فيها فوجب أن نطلب حكم من يجد الطول ولا يخشى العنت فوجدنا الله تعالى يقول: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) ووجدنا الله تعالى يقول: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم واماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكان في هذه الآية بيان جلى في إباحة نكاح الكتابيات جملة لم يخص تعالى حرة من أمة، وفى الآية الأخرى إباحة نكاح العبيد من المؤمنين عموما لم يخص تعالى حرة من أمة، وإباحة نكاح الإماء المسلمات لم يخص حرا من عبد فكان في هاتين الآيتين بيان نكاح المسلم الغنى والفقير والعبد والحر عموما بكل حال للحرة المسلمة وللكتابية وللأمة المسلمة والكتابية ولم يأت قط في سنة ولا في قرآن تحريم شئ من ذلك ولا كراهة فصح قلنا بيقين لا اشكال فيه * ومن عجائب الدنيا إباحة مالك نكاح الحر واجد الطول غير خائف العنت نكاح الأمة المسلمة ومنعه إياه نكاح الأمة الكتابية وهذا تحكم في التعلق بالآية لا يجوز
(٤٤٣)