آخرون فروينا عن الحسن أنه قال: (أو آخران من غيركم) من غير قبيلتكم، وروى عن الزهري نحو هذا وأنه قال: من أهل الميراث وانه توقف في ذلك وروى أيضا عن عكرمة، وروينا عن زيد بن أسلم أنها منسوخة، وعن إبراهيم أيضا مثل ذلك * قال أبو محمد: أما دعوى النسخ فباطل لا يحل أن يقال في آية أنها منسوخة لا تحل طاعتها والعمل بها الا بنص صحيح أو ضرورة مانعة وليس ههنا شئ من ذلك ولو جاز مثل هذا لما عجز أحد عن أن يدعى فيما شاء من القرآن انه منسوخ وهذا لا يحل، وأما من قال: من غير قبيلتكم فقول ظاهر الفساد والبطلان لأنه ليس في أول الآية خطاب لقبيلة دون قبيلة إنما أولها (يا أيها الذين آمنوا) ولا يشك منصف في أن غير الذين آمنوا هم الذين لم يؤمنوا ولكنها من الحسن زلة عالم لم يتدبرها، وقال المخالفون: نحن نهينا (1) عن قبول شهادة الفاسق. والكافر أفسق الفساق فقلنا: الذي نهانا عن قبول شهادة الفاسق هو الذي أمرنا بقبول شهادة الكافر في الوصية في السفر فنقف عند أمريه (2) جميعا وليس أحدهما بأولى بالطاعة من الآخر. ومن عجائب الدنيا التي لا نظير لها أن المحتجين بهذا هم هم الحنيفيون. والمالكيون، والشافعيون، فأما الحنيفيون فأجازوا شهادة الكافر في كل شئ بعضهم على بعض بغير أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في نهيه عن قبول نبأ الفاسق ثم خالفوه في قبول الكافر في السفر فأعجبوا لهذه الفضائح والمضادة لله تعالى * وأما المالكيون فأجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم بغير أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في كلا الوجهين كما ذكرنا، وقال بعضهم:
الوصية يكون فيها اقرار بدين فلما نسخ ذلك من الآية دل على نسخ سائر ذلك فقلنا:
كذبتم ما سمى الله تعالى قط الاقرار بالدين وصية لان الوصية من الثلث والاقرار بالدين من رأس المال وما دخل قط الاقرار بالدين في الوصية ولا نسخ من الآية شئ، ثم لهم بعد هذا أهذار يشبه تخليط المبرسمين لا معنى لها، وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء والصحابة ولا مخالف لهم من الصحابة وهم يعظمون ذلك إذا وافق أهواءهم، وذكروا خبرا رويناه من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز شهادة ملة على ملة الا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم) * قال أبو محمد: عمر بن راشد ساقط، وهذا خبر أول من خالفه أبو حنيفة لأنه يجيز شهادة اليهودي على النصراني (3) ومالك فإنه يجيز شهادة الكفار الأطباء على المسلمين ولا ندري من أين وقع لهم هذا التخصيص للأطباء (4) دون سائر من يضطر إليه