ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لأنه ليس فيه الا الجار أحق بصقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر، وقد حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا عبد الله بن عبد الرحمن ابن يعلي بن كعب الثقفي قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء أحق وأولى بصقبه) قلت لعمرو: ما صقبه؟ قال: الشفعة قلت: زعم الناس انها الجوار قال الناس: يقولون ذلك فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روى يقتضى ذلك فبطل كل ما موهوا به، ثم لو صحت هذه الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه عليه الصلاة والسلام. وقوله. وقضاؤه (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) يقضى على ذلك كله ويرفع الاشكال فكيف ولا بيان في شئ منها كما ذكرنا وأكثرها لا يصح ولا ينبغي ان يشتغل بها لسقوط طرقها وبالله تعالى التوفيق * ومن عظيم اقدام المتأخرين في زمانهم وأديانهم وعند الله تعالى قول بعضهم في الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ان هذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فليت شعري أين وجدوا هذا؟ ومن أخبرهم به؟ والقوم قد رزقهم الله تعالى من استسهال الكذب في الدين حظا وافرا نعوذ بالله من مثله * وقالوا فيما رويناه من طريق أبى داود نا محمد بن يحيى بن فارس نا الحسن بن الربيع نا ابن إدريس هو عبد الله عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أو عن سعيد بن المسيب أو عنهم جميعا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) قالوا: نعم ليست القسمة ولا التحديد موجبين فيها شفعة إنما تجب الشفعة بالبيع فكان هذا برهانا قويا علي عدم الحياء من وجه قائله فقط وقد أعاذ الله رسوله عليه السلام من أن يتكلم بالسخف وبما لا معنى له، وقد علم كل ذي حس سليم أن الشفعة لا مدخل لها في القسمة فكيف (1) تكون الشفعة في أرض قسمت أترى أحدهما يأخذ مال صاحبه مصادمة؟ هذا محال فكيف وهو خبر مسند مرة ذكر الثقات هذا اللفظ وحده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة أضافوه إلى لفظ آخر له عليه السلام كما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا عبيد الله بن محمد العمرى نا أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة المدني نا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) فظهر فساد الأقوال المذكورة فأشدها فسادا أقوال أبي حنيفة
(١٠٤)