الإنسان ولو في الشدة يتمكن غالبا من تهيئة القوت لثلاثة أيام، فلا يصدق الاحتكار المضر إلا بعد هذه المدة. كما أنه لو تحقق حبس الأقوات أربعين يوما فلا محالة يتحقق الضيق والغلاء للأكثر ولو في حال الخصب. فالملاك في الاحتكار المحرم هو وقوع الناس بسببه في الضيق والشدة.
وعن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) وفيه: " وأما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي. ولأن يلقى الله العبد سارقا أحب إلي من أن يلقاه قد احتكر الطعام أربعين يوما " (1).
وظهور هذه الأخبار في الحرمة أيضا واضح.
الطائفة الرابعة - ما دلت على التفصيل بين وجود الطعام في البلد وعدمه؛ فمنها:
1 - صحيحة سالم الحناط، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما عملك؟ قلت:
حناط، وربما قدمت على نفاق، وربما قدمت على كساد فحبست. قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر. فقال (عليه السلام): يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا. قال: لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، فمر عليه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا حكيم بن حزام، إياك أن تحتكر " (2). وقوله (صلى الله عليه وآله): " إياك أن تحتكر " ظاهر في التحذير بوجه شديد، فيلازم الحرمة.
ووجود هذا التعبير في المكروهات الشديدة لا يجوز رفع اليد عن ظاهره ما لم يثبت الترخيص.