فإن قلت: سيرة العقلاء في مقام الاحتجاج مبني على الاحتجاج بقول الخبير الثقة مطلقا وإن لم يحصل الوثوق الشخصي.
قلت: لا نسلم الفرق بين المقامين، ولا يسمع اعتذار من لم يحصل لشخصه الوثوق وفاتت المصلحة بأنه عمل بقول الثقة.
والتقليد المذموم في الكتاب العزيز هو تقليد الجاهل لجاهل مثله أو لفاسق غير مؤتمن، لا رجوع الجاهل في كل فن إلى العالم الخبير الثقة.
والإشكال في السيرة بأنها إنما تفيد إذا اتصلت بعصر الأئمة (عليهم السلام) ولم يردعوا عنها، والاجتهاد بنحو يوجد في أعصارنا من إعمال الدقة واستنباط الفروع من الأصول الكلية لم يعهد وجوده في تلك الأعصار، مدفوع؛ إذ التفريع على الأصول وكذا مقايسة الأخبار المتعارضة واعمال الترجيح واستفتاء الجاهل من العالم الخبير الثقة للعمل به كان متعارفا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
حجية فتوى الفقيه:
استدلوا على حجية فتوى الفقيه والتقليد عنه تعبدا ببعض الآيات والروايات، فمن الآيات:
١ - قوله - تعالى -: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ (1). بتقريب أن وجوب السؤال يستلزم وجوب القبول وترتيب الأثر عليه وإلا وقع لغوا، وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح أن يسأل عنه، إذ لا خصوصية لسبق السؤال.
ولكن الظاهر من هذه الآية أن الجاهل يجب عليه السؤال حتى يحصل له