وقد جعل هذه الفريضة أمير المؤمنين (عليه السلام) فوق الجهاد وسائر أعمال البر بمراتب وقال: " وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي " (1).
الثانية: في أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات ومراتب:
لا يخفى أن الفريضتين ببعض مراتبهما مما يتمكن منه كل مسلم عارف بأحكام الإسلام وضرورياته، وذلك كالإنكار بالقلب وباللسان، فيجب على جميع الناس ومنهم الولاة فعل ذلك وإعانة من يفعله، ويبدأ في الإنكار بالأسهل، فإن زال المنكر فهو، وإلا أغلظ. فإن توقف على الضرب والجراح فهل يجوز لكل أحد التصدي له أو لا يجوز إلا بإذن الحاكم؟ في المسألة قولان:
قال العلامة: " لو افتقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى ضرب من التأديب والإيلام والإضرار به والجراح وإتلاف نفسه. قال الشيخ في الاقتصاد:
الظاهر من مذهب شيوخنا الإمامية أن هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلا للأئمة أو لمن يأذن له الإمام ". ثم قال: " وكان المرتضى يخالف في ذلك ويقول: يجوز ذلك بغير إذنه... وقال سلار: وأما القتل والجراح في الإنكار فإلى السلطان ومن يأمره. وأبو الصلاح لم يشترط السلطان في ذلك وبه قال ابن إدريس. وابن البراج اشترط إذن الإمام. والأقرب ما قاله السيد " (2).
أقول: ويستدل للقول بعدم الاشتراط بأنهما واجبان لمصلحة العالم، فلا يتوقفان على شرط كغيرهما من المصالح، وبأنهما واجبان على النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) فيجب علينا أيضا لوجوب التأسي، وبإطلاق الآيات والروايات الواردة في الباب مثل خبر يحيى الطويل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ما جعل الله