لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يمنعهم من التعدي والدخول فيما خطر عليهم. لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره. فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها: أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس... فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه...
ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا، لدرست الملة، وذهب الدين، وغيرت السنة (السنن - العلل) والأحكام... وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين " (1).
والظاهر أن موضوع سؤال السائل هو إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ولكن عموم التعليلات الواقعة في كلام الإمام (عليه السلام) يشمل جميع الأعصار، فيدل الحديث الشريف على لزوم الحكومة في عصر الغيبة أيضا.
الدليل الرابع ما في نهج البلاغة، من كلامه (عليه السلام) في الخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله، قال (عليه السلام) " كلمة حق يراد بها الباطل. نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي. حتى يستريح بر ويستراح من فاجر ".