ولا نعني بالحكومة إلا هذا، غاية الأمر أن لها مراتب. فأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدلة الجهاد الدفاعي بأجمعها أيضا من أقوى الأدلة على لزوم تشكل المسلمين وتأسيس الدولة الحقة. وليس المراد بالتقية الواردة في أخبارنا ترك الدفاع والأمر بالمعروف، بل المراد هو التحفظ في حال العمل بالتكليف.
ويشهد بذلك قوله (عليه السلام): " التقية ترس المؤمن " (1) وقوله: " إن التقية جنة المؤمن " (2) فإن الترس إنما يستعمل في ميدان الجهاد لا في حال الاستراحة والعزلة.
وهنا شئ آخر، وهو أن فقهاءنا - رضوان الله عليهم - ذكروا أمورا سموها الأمور الحسبية، وقالوا إنها أمور لا يرضى الشارع بإهمالها وتركها، كالتصرف في أموال اليتامى والغيب والقصر ونحو ذلك. وحينئذ فإن كان هنا فقيه عادل فهو المتيقن للتصدي لها (3)، وإلا فيتصدى لها عدول المؤمنين، بل وفساقهم أيضا إذا لم يوجد العدول.
نقول: هل يكون حفظ مال جزئي لصغير أو مجنون، من الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها، وأما حفظ كيان الإسلام ونظام المسلمين وحفظ دمائهم ونواميسهم وأموالهم فلا أهمية لها ولا يهتم الشارع بها، ويجوز للمسلمين إهمالها وعدم الاهتمام بها حتى يظهر صاحب الأمر (عليه السلام)؟! إن هذا الأمر لعجيب.
الدليل العاشر أخبار متفرقة أخرى من طرق الفريقين يظهر منها إجمالا لزوم الحكومة