فأجابه أبو عبد الله (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم... واعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه، واعلم أن خلاصك مما بك (ونجاتك) من حقن الدماء وكف الأذى عن أولياء الله والرفق بالرعية، والتأني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، ومداراة صاحبك، ومن يرد عليك من رسله، وارتق فتق رعيتك بأن توقفهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله. وإياك والسعاة وأهل النمائم، فلا يلتزقن بك أحد منهم. ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا فيسخط الله عليك " (1).
سيرة الإمام في مطعمه وملبسه وإعراضه عن الدنيا وزخارفها:
1 - ففي نهج البلاغة: " وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها. وقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاف لك في الأسوة، ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها ووطئت لغيره أكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوى عن زخارفها...
فتأس بنبيك الأطيب الأطهر (صلى الله عليه وآله)... قضم الدنيا قضما، ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا، وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله - سبحانه - أبغض شيئا فأبغضه، وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره...
ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه و... لم يضع حجرا على حجر حتى مضى سبيله...