في الحج والمزار:
وأما الحج فلا شك في أن الجهات الاجتماعية والسياسية بل الاقتصادية منظورة في تشريعه جدا. قال الله - تعالى -: ﴿جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس﴾ (1) " والقيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء " كما ذكر الراغب (2)، فمقتضى الآية أن الناس يتقومون في معاشهم بالكعبة.
فيعلم من ذلك أن الغرض من تشريع الحج ليس الإتيان بصورة الأعمال فقط، بل مجيء المستطيعين من البلاد والأصقاع المختلفة وتعارفهم وتفاهمهم، ليتعارفوا ويتعاضدوا ويوجدوا بينهم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، فيكون الحج لهم مؤتمرا كبيرا عالميا في مركز الوحي والنبوة. وبمثل ذلك يقوم الناس والأمم.
وعن الرضا (عليه السلام) قال: " إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل... مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البر والبحر، ممن يحج وممن لم يحج، من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة إلى كل صقع وناحية " (3) فانظر كيف غفل المسلمون وأغفلوا عن بركات وفوائد هذا الاجتماع المهم في مركز الوحي، الذي سهل الله تحققه لهم في كل سنة. ولو كان لهم وعي سياسي لأمكن لهم حل كثير من المسائل والمشاكل بتبادل الأفكار والتفاهم، ولم يتسلط عليهم الأعداء، مع كثرة عدد المسلمين وقدرتهم المعنوية وطاقاتهم